الفتاوىفتاوى الزكاة والحج

حكم تكرار العمرة في الزيارة الواحدة

السؤال:

ما حكم تكرار العمرة في الزيارة الواحدة؟

الجواب:

يستحب تكرار العمرة عند جمهور علماء الأمة ومنهم الحنفية والشافعية والحنابلة وجمع من السلف الصالح، قال ابن قدامة: “ولا بأس ‌أن ‌يعتمر ‌فى ‌السنة ‌مرارا. روى ذلك عن على، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وعائشة، وعطاء، وطاوس، وعكرمة” وأجازها أكثر المالكية دون كراهة وكرهها دون تحريم الإمام مالك في السنة الواحدة وهو المشهور في المذهب، فلا يلتفت إلى من منع ذلك واعتبره من البدع أو المحرمات أو أطلق الكراهة فيه.

قال النووي: “مذهبنا أنه لا يكره ذلك بل يستحب، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد، وجمهور العلماء من السلف والخلف، وممن حكاه عن الجمهور الماوردي والسرخسي والعبدري، وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وغيرهم رضى الله عنهم”.

ودليل استحباب تكرار العمرة مجموعة من الأدلة منها:

الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) رواه مسلم، فدل على فضيلة العمرة للاعتمار والإكثار منها لأنه لم يقيد زمن ما بين العمرتين بل أطلقه.

الدليل الثاني: وفي سنن الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة) قالوا: فهذا يدل على فضيلة التكرار.

الدليل الثالث: ومن ألطف الأدلة وأعجبها في الاستنباط قول بعض العلماء مما يدل على جواز تكرار العمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت، وقباء لا يؤتى إلا من أجل أن الصلاة فيه بعمرة قالوا: فدل على مشروعية التكرار لأنه قصد فضيلة العمرة فإذا كانت فضيلة العمرة بالبدل مقصودة ومطلوبة فلأنْ تشرع بالأصل من باب أولى وأحرى.

الدليل الرابع: وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ ليس لها ثوابٌ إِلا الجنَّة، وعمرتانِ تُكَفِّرَانِ ما بينهما من الذُّنوب)، وجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمرتين مكفرتين للذنوب بلفظ مطلق يقتضي عدم تقييد العمرتين بزمن معين بل يجوزان مطلقا حتى ولو وراء بعضهما مباشرة.

الدليل الخامس: لأن عائشة رضي الله عنها اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم: عمرة من قرانها وعمرة بعد حجها.

الدليل السادس: روي جواز تكرار العمرة عن عدد من الصحابة والتابعين، فروي عن علي وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وطاووس وعكرمة، فلس هؤلاء الصحابة بمبتدعين ولا مرتكبين لمحظور؟!، ففي مسائل ابن هانئ سئل الإمام أحمد t عن العمرة ؟ فقال: (اعتمر في كل شهر مراراً إن قدرت، وعن عكرمة، قال: اعتمر ما أمكنك الموسى. وعن ابن عمر؛ أنه كان يعتمر في كل سنة عمرة، إلا عام القتال، فإنه اعتمر في شوال وفي رجب. وسئل عطاء عن العمرة في الشهر مرتين ؟ قال: لا بأس، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (في كل شهر عمرة ” رواه الشافعي في الأم. وقال أيضاً رضي الله عنه: (اعتمر في الشهر إن أطقت مراراً “. وكان أنس بن مالك رضي الله عنه، يعتمر كلما حُمم رأسه ـ يعني يعتمر كلما اسود بعد الحلق ـ. وسئل قتادة رحمه الله عن عمرتين في شهر؟ فروى عن سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، قالوا: لا بأس) رواه أبو داود.

ولم أجد دليلا معتبرا للمشهور من مذهب المالكية على كراهة تكرار العمرة ولا لغيرهم من المانعين من المعاصرين سوى عدم تكرار النبي صلى الله عليه وسلم لها، والترك ليس دليلا معتبرا لقيام المانع على التكرار أو عدم الدافع إليه ومنه كفار قريش الذين منعوه عمرة الحديبية، وقضاها في السنة السابعة تحت مكر المشركين وتربصهم فسن عليه الصلاة والسلام سنة الرَّمَل (الهرولة في الطواف) والاضطباع (كشف الكتف الأيمن) لإخافتهم بعد رأى في أعينهن المكر والغدر، ولم تفتح مكة إلا في السنة الثامنة للهجرة وتوفي عليه الصلاة والسلام في السنة العاشرة، أي لم يتسن له التكرار خاصة مع بعد المسافة بين مكة والمدينة وانشغاله عليه الصلاة والسلام بواجبات عظام من بناء الأمة بتمام، وتوطيد أركان الإسلام، ونشر الدين في الخواص والعوام وغيرها من الواجبات العظام… وحتى عندما اعتمر عليه الصلاة والسلام بعد غزوة حنين بعد فتح مكة مباشرة في السنة الثامنة للهجرة لم يمكث في مكة سوى تسعة عشر يوماً فقط وكان لشدة انشغاله يقصر الصلاة الرباعية لشدة انشغاله مع أن الإتمام عموماً أفضل لقوله تعالى ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 184]، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: (أقام رسول الله  ﷺ  تسعة عشر يوما يصلى ركعتين)، ثم اعتمر بعدها فقط في حجته وتخيل معي مدى انشغال نبي البشرية وإمام الأمة مع أكثر من مائة ألف حاج هل تراه يترك هذا الأمر الجلل ليشغل نفسه بتكرار الجائز عن إخراج الأمة من المفاوز!… مع التنبيه أن بعض أئمة المالكية أجازوا تكرار العمرة ونفوا كراهته كمطرف وابن المواز.

قال الشافعي رضي الله عنه في الأم: ” والعمرة في السنة كلها، فلا بأس بأن يعتمر الرجل في السنة مراراً، وهذا قول العامة من المكيين وأهل البلدان “.

ويستحب الإكثار من الاعتمار كمن يعتمر في الزيارة الواحدة أكثر من مرة، ولا مانع من تكرار العمرة في اليوم الواحد أكثر من مرة إن أطاق، لكن إن كان تكراره للعمرة في المرة الواحدة يذهب خشوعه لكثرة تعبه أو يكررها أفعالا فارغة من روحها ومعانيها الإيمانية التي على المعتمر استحضارها أثناء تلبسه بأعمال العمرة فلا يستحب له التكرار بل الأفضل أن يأتي بأعمال أخرى تزيد قربه من الله وترفع درجته وأجره كالطواف وصلاة النافلة، فليست العمرة مقصودة لذاتها ولا ليقال اعتمرت كذا وكذا مرة نسأل الله الإخلاص.

مصدر الفتوى من كتاب: فتاوى معاصرة، للدكتور أيمن عبد الحميد البدارين، دار الرازي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، سنة الطبع: 1434هـ-2013م، رقم الصفحة (77-80).


اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي من النسخ