نظرية التقعيد الأصولي للدكتور أيمن البدارين

بسم الله الرحمن الرحيم
قالوا قديما: ” التأليف على سبعة أقسام لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها وهي: إما شيء لم يسبق إليه فيخترعه، أو شيء ناقص يتممه، أو شيء مغلق يشرحه، أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه، أو شيء متفرق يجمعه، أو شيء مختلط يرتبه، أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه “.
وقد حرصت أن تحوي رسالتي على هذه الأقسام السبعة، ومع ذلك فالنقص مستول على جملة البشر، فقد كتب أحد الفضلاء إلى فاضل آخر معتذرا عن كلام استدركه عليه يقول فيه:
” إنه قد وقع لي شيء وما أدري أوقع لك أم لا؟ وها أنا أخبرك به، وذلك أني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل؛ وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر “.
فسبحان من خضعت لعظمته الرقاب، وذلت لجبروته الصعاب، ومالت لقدرته الشدائد الصِّلاب، اتصف بالعز والكبرياء، وتنزه عن النقص والغلواء، تناهت كمالاته عن الحصر، وصفاته عن الوصف، لم يسلم كتاب من النقص سوى كتابه U.
قال الزركشي: ” أشرف العلوم بعد الاعتقاد الصحيح معرفة الأحكام العملية، ومعرفة ذلك بالتقليد ونقل الفروع المجردة يستفرغ جمام الذهن ولا ينشرح بها الصدر، لعدم أخذه بالدليل، وشتان بين من يأتي بالعبادة تقليدا لإمامه بمعقوله وبين من يأتي بها وقد ثلج صدره عن الله ورسوله، وهذا لا يحصل إلا بالاجتهاد، والناس في حضيض عن ذلك، إلا من تغلغل بأصول الفقه، وكرع من مناهله الصافية، وأدرع ملابسه الضافية، وسبح في بحره، وربح من مكنون دره”.
وقال: ” إن ضبط الأمور المنتشرة المتعددة في القوانين المتحدة هو أوعى لحفظها وأدعى لضبطها “.
وقال القرافي في الذخيرة: ” يتعين أن يكون على خاطر الفقيه من أصول الفقه وقواعد الشرع واصطلاحات العلماء حتى تخرج الفروع على القواعد والأصول فإن كل فقه لم يخرج على القواعد فليس بشيء “.
وقال في فروقه: ” ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها… فبين المقامين شأو بعيد، وبين المنزلتين تفاوت شديد “. وقال العلامة حسن العطار ” القواعد شأنها أن يستثنى منها والقاعدة تناسب الأصول؛ لأن الأصول هي القواعد “.
الحمد لله المتوحد بجلال ذاته وعظيم صفاته، المتقدس بنعوت الجبروت عن سمات النقص وصفاته, وأصلي وأسلم على أشرف الخلق والمرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى سنته من الدعاة الصابرين إلى يوم الدين… صلاة دائمة كلما أشرقت شمس وبلج نجم…
ترزح أمتنا العربية والإسلامية اليوم تحت نير القهر وذل الاستعمار الفكري والاقتصادي وفرض القرار السياسي من الخارج، واستقواء أمم الكفر التي تكالبت علينا تكالب الأكلة على قصعتها، لا لقلة عددنا وعدتنا ولكن لفقدنا روح التحدي والتميز والإقدام التي هي بعض معالم ديننا؛ بتركنا نهجه وسيرنا وراء سراب الغرب وفلسفته، ورهاننا على نهجه في الحياة وطريقته، فخسرنا كل شيء.
فلا تصلح الأمة حاضرا إلا بما صلحت به ماضيا، فلم يكن للعرب قوة ولا دولة ولا قيمة ولا اقتصاد ولا سياسة ولا علم ولا ثقافة ولا تاريخ مشرق مشرف… فبالإسلام أصبحت درة الأمم، وشامة بين العجم، ونجمة في أعالي القمم، ومنارا في ظلمة البَهم في شتى ميادين المدنية والحضارة. وعندما تركناه روحا ومضمونا، وجفت شعائره في قلوبنا فغدت قشورا؛ آل حالنا إلى ما نرى… فنحن أمة أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، ومثلث التاريخ (الجاهلية، صدر الإسلام، العصر الحديث) شاهد على ذلك.
فالإسلام هو الحل!!! لكنها كلمة فضفاضة هيولانية لا تتجسد واقعا إلا بصورة هي استراتيجيات محكمة مدروسة وفق منهج علمي رصين، يجعل محصل قوى العمل الإسلامي إيجابيا منتجا فاعلا نحو تغيير الأمة وإعادة أمجادها، لا ضعيفا موءودا لتضاربه في واقع الدعاة أفرادا وجماعات… فإيجاد استراتيجيات مشتركة متفق عليها وضبط الوسائل المؤدية إليها ضبطا كليا هو أول مراقي الصعود والسعود لأمتنا.
ولا بد أن تنطلق هذه الاستراتيجيات من الفكر الذي هو أصل كل عمل، فالفكرة تتقوى وتنتشر حتى تسيطر على فكر الإنسان؛ فتصير معتقدا يملك عليه نفسه ويحرك عقله وروحه اللذين يحركان جوارحه عملا يجسد الفكرة خارجا، وهذا العمل يكثر ويتأصل حتى يصير عادة، فعرفا، فقيمة خاصة، فقيمة فعامة، فدينا تدين له وبه الأمم نحو عليائها.
وكلما انطلقت الاستراتيجيات من الفكرة الأكثر قوة ورسوخا وتأثيرا في الأمة، كانت أسرع نتاجا وأقوم إنتاجا، والفقه الإسلامي هو أكثر الموجهات لسلوك الأمة ظاهرا وباطنا بعد العقيدة التي هي أكثر الأفكار قوة وعمقا ورسوخا في النفس البشرية؛ لارتباطهما المتين بعقل وروح الإنسان من خلال الوازع الفطري ومصيره الأخروي الذي فيه كل المصلحة واللذة والسعادة الحقيقية التي تؤول السعادة الدنيوية بجانبها إلى الصفر…
فلا بد أن تنطلق الإستراتيجيات من إعادة النظر في الموروث القديم من العلم الباحث في العقائد الإسلامية والأصول التي يبنى عليها الفقه الإسلامي متمثلا في أصول الفقه والعلوم المتعلقة به الخادمة له كعلم القواعد الأصولية بيانا وإثباتاً ودفاعاً في نظرية متكاملة؛ لإعادة فاعليته في بث حيوية الروح والإقدام والتميز بعثا للأمة من سباتها نحو عليائها…
” فأصول الفقه علم عَظُمَ نَفْعُهُ وقدره، وعلا شرفه وفخره؛ إذ هو مثار الأحكام الشرعية، ومنار الفتاوى الفرعية التي بها صلاح المكلفين معاشا ومعادا، ثم إنه العمدة في الاجتهاد، وأهم ما يتوقف عليه من المواد كما نص عليه العلماء، ووصفه به الأئمة الفضلاء… فالركن الأعظم والأمر الأهم في الاجتهاد إنما هو علم أصول الفقه “.
فحق ” على كل من حاول تحصيل علم من العلوم أن يتصور معناه أولا بالحد أو الرسم ليكون على بصيرة فيما يطلبه، وأن يعرف موضوعه وهو الشيء الذي يبحث في ذلك العلم عن أحواله العارضة له تمييزا له عن غيره وما هو الغاية المقصودة من تحصيله حتى لا يكون سعيه عبثا وما عنه البحث فيه من الأحوال التي هي مسائله لتصور طلبها وما منه استمداده لصحة إسناده عند روم تحقيقه إليه وأن يتصور مباديه التي لا بد من سبق معرفتها فيه لإمكان البناء عليها”.
فكانت هذه الأطروحة محاولة لبعث روح جديدة في علم أصول الفقه من خلال وليده الجديد (علم القواعد الأصولية)، الذي استخدمت فيه مختلف وسائل البحث: الوصفية، التحليلية، الاستقرائية، الجدلية… ليتبوأ مكانه الطبيعي المرموق في توجيه العقل الإسلامي نحو إعادة بناء الأمة على أسس متينة؛ ليرجع ماضينا التليد من مجرد تاريخ وأغنية نتغنى بها إلى واقع ملموس نعيشه حاضرا ومستقبلا، ومن مجرد قصص بطولة وأمجاد نحكيها لأبنائنا وأحفادنا إلى واقع معيشي يستمتعون به ويتفاعلون معه…
قيل قديما في علم أصول الفقه إنه علم نضج وما احترق. فلا حاجة بنا اليوم إلى حرقه كي لا تذهب فائدته! فجاءت هذه الأطروحة مساهمة في إعادة طهي بعض أجزائه من جديد ليُنضج بذوق هذا العصر وتفنناته وحاجاته ليكون أنفع للأمة، مستهديا مستنيرا بقول الأئمة الفضلاء: ” لا ينبغي لحصيف أن يتصدى إلى تصنيف أن يعدل عن غرضين إما أن يخترع معنى، وإما أن يبتدع وضعا ومبنى، وما سوى هذين الوجهين فهو تسويد الورق، والتحلي بحلية السرف.
أوجه الجديد والتجديد التي حرصت الدراسة على الإتيان بها:
ملكت فكرة تجديد أصول الفقه على فؤادي منذ سنين؛ حتى هممت بتقديم مشروع رسالة دكتوراه بعنوان(تجديد أصول الفقه) لكنني توقفت في آخر لحظة لأسباب عدة أهمها أن الحديث عن التجديد في أي علم يحتاج قدما راسخة وهضما تاماً للعلم المراد تجديده وإلا وئد قبل أن يلد أو خرج مشوها لعدم اكتمال تغذيته في رحمه الذي هو عقل الباحث، أو طالته تشوهات جينية بسبب خلل والده (استعداد الباحث)… فآثرت تأجيل المشروع لتكتمل أدوات الاجتهاد الأصولية لدي، فأبحرت من لجج التنظير الكلي في تجديد أصول الفقه إلى شاطئ التطبيق العملي لمحاور هذا التجديد واتجاهاته وصوره، فالأنموذج لا بد أن يتطور ويصبح حقيقة، والطفل الصحيح المعتنى به لا بد يكبر ويصبح رجلا حكيما، والسباحة في الشاطئ تُعلِّم الغوص في اللجج، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه؟ بل سيرتع بإذن الله ومعونته.
ومن محاور التجديد واتجاهاته وأعمدته:
المحور الأول: إعادة بناء النتائج الأصولية وصياغتها في مبان قواعدية قانونية محكمة الصياغة على شكل قواعد أصولية.
المحور الثاني: استقراء النقاط والروابط المشتركة بين هذه القواعد الأصولية لاستنباط قواعد أصولية أعم منها شاملة جامعة لها هي قواعد لهذه القواعد على غرار القواعد الفقهية الخمس الكبرى بالنسبة لبقية القواعد الفقهية الجامعة لها في خيط واحد من التأصيل والصياغة.
ومن خلال محور ثالث هو توسيع أو تأصيل واستخراج بعض الجيوب الأصولية لإنشاء علوم أصولية جديدة من رحم أصول الفقه على غرار علم المقاصد، فأجهدت فكري وركزته لإنشاء علم جديد سميته (علم القواعد الأصولية) حيث لم تبحث – حسب اطلاعي – القواعد الأصولية على مر التاريخ باعتبارها علما قائما بذاته، فجاءت هذه الأطروحة تُنَظِّر لهذا العلم، بانية منظومة من المقدمات والمبادئ التي يستطيع من خلالها أن يقف صامدا واثقا بنفسة بين بقية العلوم، وهي وإن كانت المحاولة الأولى لهذا العلم فلا شك أن المحاولات الأخرى التي ستأتي بعدها ستنضجها وتفجر قضايا أخرى لم تتطرق إليها الأطروحة أو توسع بعض مباحثها أو تزيل الغموض عن بعضها إن وجد… وهذا المحور الثالث في تجديد أصول الفقه جمع بين جنبيه المحورين الأولين فاكتمل بهما بناء هذا العلم.
هذه بعض أوجه التجديد في هذا العلم على سبيل الإجمال والتي حرصت الأطروحة على تطبيقها واقعا، أما على سبيل التفصيل فأوجه التجديد في هذه الدراسة هي:
أولا: تأصل الأطروحة لعلم جديد هو (علم القواعد الأصولية) من خلال وضع الأسس النظرية له ببيان حقيقته، موضوعه، استمداده، فائدته، مكانته بين علوم الشرع وصلته بها، نشأته، تطوره، أقسامه، مع إعطاء تصور دقيق حوله من خلال تمثيل انتخابي لأهم مسائله وقواعده على غرار تأصيل الدكتور علي الندوي لـعلم القواعد الفقهية في رسالته تقريباً.
فالرسالة دراسة وصفية تحليلية تأصيلية لعلم لم ينضج ولم يحترق من علوم الشريعة الإسلامية هو (علم القواعد الأصولية).
فهو علم جديد لأن العلم يتميز عن غيره من العلوم بالهدف والموضوع، و(علم القواعد الأصولية) يختلف عن ” علم أصول الفقه ” في الهدف والموضوع معا، فهدف (علم القواعد الأصولية): ضبط أصول الفقه، بينما هدف (علم أصول الفقه): ضبط الفقه، وموضوع (القواعد الأصولية) هو نفس (علم أصول الفقه) من حيث ضبطه، بينما موضوع (علم أصول الفقه) هو الأدلة الإجمالية من حيث ضبط الفقه.
ثانيا: تؤصل الأطروحة لفن جديد يشكل أحد شقي علم القواعد الأصولية وهو فن (القواعد الأصولية الجامعة الكبرى والوسطى)، والذي يهدف إلى الغوص في فلسفة أصول الفقه من خلال دراسته للقواعد التي ترجع إليها قواعد أصول الفقه أو بتعبير آخر (قواعد القواعد الأصولية).
فالقواعد الأصولية منها ما يتعلق بضبط علم أصول الفقه، ومنها ما لا يتعلق بذلك وإنما يتعلق بضبط الاجتهاد الفقهي، وهي بدورها تنقسم انقساما اعتباريا إلى خاص لا ينبني عليه قواعد أصولية، وعام ينبني عليه قواعد أصولية، والعام بدوره يتفرع إلى قواعد أصولية كبرى ينبني عليها عدد كبير جداً من القواعد الأصولية مبثوثة في جميع الأبواب الأصولية، ومنها الوسطى وهي القواعد الأصولية التي ينبني عليها كثير من القواعد الأصولية لكنها تختص بباب أصولي واحد، سواء كانت عمدة الباب أي جامعة لقواعده أو أغلبها أو عمدة في الباب أي تجمع بعض قواعده.
وبحمد الله ومنته وبعد استفراغ وسعي في البحث والتنقيب وسؤال المتخصصين أعلن بكل فخر واعتزاز أن رسالتي هذه قد تفردت عبر التاريخ ببحث قواعد القواعد الأصولية بنوعيها الكبرى والوسطى بشكل موسع؛ فلم أرى في المصنفات الأصولية والفقهية القديمة والمعاصرة من بحث هذه القضية، ولكن لفتات بين فلتات ألسنة أساطينه، فما هي إلا نتف هنا وهناك، وإشارات باهتة وتدقيقات، فعسى أن تكون هذه الدراسة منطلقا وأساسا لأبحاثٍ ورسائلَ في هذا المجال المهم، وبصيص نور لفن جديد مثير.
ثالثا: تهدف الدراسة إلى معالجة مشكلة واقعية وهي بعد أصول الفقه اليوم عن الواقع الاجتهادي في ضبط العملية الاجتهادية الفقهية نتيجة تراكمات تاريخية وفلسفية ومحددات عقدية وطائفية… جعلت الاستفادة منه في ضبط العملية الاجتهادية أمرا فيه شيء من الصعوبة وعدم الواقعية والقصور عن تحقيق المراد، من خلال الدعوة إلى إعادة تشكيل علم أصول الفقه من خلال تقعيده في نصوص قانونية موجزة وصولا لضبط الاجتهاد الفقهي المعاصر الذي يشكل علم أصل الفقه عمدته.
رابعا: التأصيل لموضوع جمع ما تناثر من صياغات الأصوليين الموجزة للنتائج الأصولية ومحاولة صياغة غير المصاغ صياغة قانونية موجزة، وتدعو إلى التركيز على صياغة الأهم من النتائج الأصولية، وضابط الأهم هو كثرة الفروع الفقهية والأصولية التي تتفرع على القاعدة المختارة، وهي بذلك تدعو إلى استثناء القواعد العلمية التي لم يتفرع عليها أي خلاف أصولي أو فقهي أو يندر جاعلة علم أصول الفقه أكثر عملية في بناء العقلية الاجتهادية، فلم يتصد لهذا التوجه إلا القلة النادرة من الأصوليين.
خامسا: تمايز الأطروحة بين النتائج الأصولية المجمع عليها والجماهيرية وتلك التي كثر الخلاف حولها، فتدعو إلى تقريب أصول الفقه لغير المتخصصين محاولة جعل القواعد المجمع عليها والجماهيرية في مقام المسلمات أو الاحترام المطلق لها بهدف تقليل الخلاف فيها باقتراح توجه جديد يعتمد على هذه القواعد جاعلا منها قوانين محترمة ملزمة يرجع إليها عند الخلاف كمقدمة يصعب الجدال فيها، من خلال التركيز عليها في المؤلفات الأصولية المعاصرة، فبما أن غير المتخصص لا يستطيع بحثها بتجرد للوصول إلى الحق فالأقرب إتباع الجمهورية كما يتبع المجمع عليه المسلمة.
سادسا: تحاول الأطروحة الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الضوابط وأدقها التي تميز (القواعد الأصولية) عن (القواعد الفقهية) التي اختلطت بها في كثير من كتب القواعد الفقهية أو أكثرها معاصرة أو قديمة، فقد توصلت إلى أربعة عشر فرقا مع أن أحدا – حسب اطلاعي وبحثي – لم يوصلها إلا إلى خمسة أو ستة فروق.
سابعا: الاستقراء التاريخي لعملية التقعيد الأصولي عبر القرون وصولا إلى فهم أدق لتطور أحد أهم الجوانب المتعلقة بعلم أصول الفقه مما يسهم في بناء لبنة جديدة في تجديد أصول الفقه شكلا ومضمونا؛ لضبط جانب من تلك الدعوات المعاصرة الداعية إلى تجديده.
ثامنا: امتازت هذه الأطروحة عن جميع الدراسات السابقة في هذا المضمار أنها تؤصل لهذا العلم بنظرة كلية تشتمل على جميع أبوابه وأقسامه، لا جانبا معينا منه، ولا عند عَلَمِ من أعلامه فقط، فلا يوجد أي بحث سابق بحث التقعيد الأصولي كنظرية كلية.
تاسعا: هذه الدراسة أول دراسة – فيما أعلم– تبحث أركان وشروط القاعدة الأصولية.
عاشراً: تناقش الأطروحة – خاصة في فصلها الثالث – بعض دعوات تجديد أصول الفقه الداعية للاستغناء عن كثير من القواعد الأصولية التي يعتبرونها مجرد ترف فكري عفا عنه الزمن، ويكفي ردا عمليا عليهم أن أوردت شيئا منها في القواعد الأصولية الكبرى التي هي الأساس التي تنبني عليها قلعة أصول الفقه الشامخة من خلال عشرات القواعد الأصولية التي تفرعت عنها وما ترتب على ذلك من آثار فقهية هائلة كقاعدة (التحسين والتقبيح)، وقاعة (منع التكليف بما لا يطاق) التي تربط بين التأصيل والتجديد، بين العراقة وما هو قادم من بعيد.
الحادي عشر: تناقش الأطروحة أساس دعوى وجود فرق بين ما يسمى منهج الجمهور (المتكلمين) ومنهج الحنفية ومنهج الجمع بين الطريقتين في أصول الفقه، داعية إلى بحث المناهج الأصولية من خلال طرائق تفكر علمائه وأساطينه، أو مناهج التفكير العقدية التي بحثت فيه كالمعتزلة والشيعة والأشاعرة والظاهرية، لأنه لا خلاف بين مناهج وطرق المذاهب الفقهية الأربعة في التقعيد الأصولي والله تعالى اعلم.
هذا شيء من جوانب التجديد في رسالتي وفي ثنايا البحث وتوصياته جوانب أخرى لن يحيط بها إلا من دقق النظر في جميع فقرات الأطروحة.
تقسيم الرسالة:
هذا وقد قسمت الأطروحة إلى ثلاثة فصول، عرفت في الفصل الأول بالقواعد الأصولية في أحد عشر مبحثا، بينت في الأول حقيقة القواعد الأصولية، وفي الثاني موضوع علم القواعد الأصولية، وفي الثالث: المستندات التي يقوم عليها التقعيد الأصولي، وفي الرابع: أصول التقعيد الأصولي في العلوم الشرعية، وفي الخامس: فائدة علم القواعد الأصولية وفضله ومكانته بين علوم الشرع، وفي السادس: القواعد الأصولية علم مستقل، وفي السابع: القاعدة الأصولية كدليل مستقل، وفي الثامن: حكم الشارع، وفي التاسع: مقومات التقعيد الأصولي، وفي العاشر: هل ثمة مدارس في التقعيد الأصولي، وفي الحادي عشر: اصطلاحات ومفاهيم وعلوم ذات صلة والتمييز بينها وبين القواعد الأصولية.
بحثت في الفصل الثاني نشأة القواعد الأصولية وتطورها وأهم المؤلفات فيها من خلال ثلاثة مباحث بينت في الأول: عوامل نشأة التقعيد الأصولي، وفي الثاني: تطور التقعيد الأصولي، وفي الثالث: أهم مصادر القواعد الأصولية ومناهج مؤلفيها.
وأعطيت في الفصل الثالث نماذج لأهم القواعد الأصولية في ثلاثة مباحث، فصلت في الأول: تقسيمات القواعد الأصولية، وفي الثاني: القواعد الأصولية العامة التي ينبني عليها فروع (قواعد) أصولية، وفي المبحث الثالث: القواعد الأصولية الصغرى.
منهج الدراسة:
أما عن المنهج الذي اتبعته، فقد حاولت التزام المنهج التالي:
حاولت قدر استطاعتي التزام المنهج التالي:
- المنهج الوصفي، من خلال عرض حقيقة علم القواعد الأصولية ومبادئه ومقدماته ومصادره وتطوره ومشخصاته من القواعد الأصولية عند الأقدمين…
- المنهج التحليلي، من خلال تحليل ما سبق ومن ذلك تحليل القواعد الأصولية وفرزها إلى مجموعات وجهات مختلفة وخاصة محاولة إيجاد القواعد العامة التي تجمع القواعد الأصولية ذاتها.
- المنهج التمثيلي الانتخابي لأهم القواعد الأصولية خاصة تلك القواعد العملية التي ينبني عليها أكثر المسائل الفقهية أو تلك التي ينبني عليها فروع أصولية.
- الاعتماد على الكتب المعتمدة في نقل المذاهب والآراء.
- الرجوع إلى المصادر الأصيلة ثم البديلة ثم الثانوية حسب طبيعة النقل والفكرة وأهميتها في بناء الأفكار الأساسية والثانوية.
- تخريج الآيات والأحاديث الواردة في متن الأطروحة من مظانها.
- نقد المادة العلمية وتحليلها.
- تحديد المفاهيم وبناؤها.
- الترجمة للأعلام الذين ورد ذكرهم في متن الأطروحة، فإن كان العلم من أصحاب مصادر القواعد الأصولية الذين ترجمت لكتابه فقد جعلت ترجمته في متن الأطروحة مع شيء من الاستفاضة وإلا في الحاشية مع الاختصار، ولم أترجم لعلم إن ورد اسمه في التعريف بعلم من هؤلاء الأعلام، ولا من وردت أسماءهم في الحواشي.
- وليتنبه القارئ الكريم إلى أمر في غاية الأهمية وهو أنني حرصت في ذكر نماذج القواعد الأصولية أثناء التعريف بالمصادر أن ألتزم بنص صاحب المصدر في ذكر القاعدة، كي يتعرف القارئ طريقة العالِم في بناء القواعد الأصولية وصياغتها قوة وضعفا، ومدى توفر أركان وشروط القاعدة الأصولية في كلامه، وما اهتم به منها…، فنادرا ما أتصرف فيه كي لا تضيع القيمة التاريخية للنص وإسهاما في بيان التطور التاريخي لعملية التقعيد الأصولي، مع حرصي على الانتخاب والتنويع في عرض قواعدهم.
- حرصت في بعض الأحيان على وضع المصطلحات الشرعية وعلى رأسها الأصولية، والكلامية والمنطقية، ضمن صور من التعابير ذات الطابع البلاغي تخفيفا من صعوبتها على الأفهام، ووطأتها على الأسماع، وتزيينا لما أظنه حقا، فالكلام الجميل يزيد الحق جمالا وفي قارئه انفعالا.
فهذا جهد المقل أضعه بين أيديكم، ويعلم الله كم عانيت فيه كي يخرج على صورته هذه، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، راجيا من القارئ الكريم أن ينظر إلى ما كتبت بعين الرضا لا بعين السخط، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فهرس الموضوعات
الفصل الأول: التعريف بالقواعد الأصولية
المبحث السابع: القاعدة الأصولية كدليل مستقل
المبحث الثامن: حكم الشارع في القواعد الأصولية وعلمها
المطلب الثالث: العلاقة بين القاعدة الأصولية والضابط الأصولي
المطلب الرابع: العلاقة بين القاعدة الأصولية والأشباه والنظائر الأصولية
الفصل الثاني: نشأة القواعد الأصولية وتطورها وأهم المؤلفات فيها
الفصل الثالث: نماذج لأهم القواعد الأصولية.
المبحث الثاني: القواعد الأصولية العامة التي ينبني عليها فروع ( قواعد ) أصولية:
العقل.
المبحث الثالث: القواعد الأصولية الصغرى
المطلب الاول: منهج طرحها:
أولاً: منهج طرحها من حيث التقديم ببيان المصطلحات المستعملة:
لتحميل كامل كتاب نظرية التقعيد الاصولي مجانا يرجى الضغط على الرابط التالي:
🔗 رابط التحميل | ⬇️ عدد التحميلات |
---|---|
اضغط هنا للمعاينة والتحميل | 3 |
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.