الفتاوىفتاوى الأسرةفتاوى الأطعمة والذبائح

حكم أكل “جوزة الطيب” واستعمالها في الطعام.

السؤال:

ما حكم تناول جوزة الطيب ووضعها على المأكولات والحلويات، خاصة أنني سمعت أنها مادة مخدرة يحرم أكلها؟

الجواب:

جوزة الطيب هي نواة ثمرة شجرة جوزة الطيب التي تنمو في المناطق الاستوائية فقط، وثمرة شجرة جوزة الطيب غير صالحة للأكل بعكس نواتها التي تسمى “جوزة الطيب” وعادة ما تكون مغلفة بقشرة حمراء، وهي شجرة دائمة الخضرة تتواجد في جزر الباندا في جزر الملوك في إندونيسيا.

لجوزة الطيب استخدامات غذائية متعددة، إذ تستعمل كتوابل أو بهار بشكل منفرد أو ضمن أنواع خلطات البهار المختلفة مثل خلطة الكاري، فهي تعطي طعما مميزا ولاذعا ونكهة حلوة للأطباق. كما تستعمل في صناعة بعض المخبوزات، والفطائر، والحلويات، وصلصات الطعام المطيبة، وفي تحضير أطباق من الخضروات وفي تتبيل اللحوم والدواجن المعدة للشوي، وتعرف جوزة الطيب على أنها من المواد المنشطة والطاردة لرياح المعدة، ويستعمل زيت جوزة الطيب في صناعة المراهم التي تعالج الروماتزم والمشاكل التنفسية، كما تستخدم لمعالجة جفاف الجلد واضطراباته ولعلاج بعض المشاكل الجنسية، ولكن يجب الانتباه إلى عدم استعمال جوزة الطيب بكمية كبيرة في الطعام لأنها تحتوي على مواد قد تسبب الهلوسة وزغللة العيون.

وقد بحث المتأخرون حكم هذه المسألة ولخص لنا ابن حجر الهيتمي ما خلاصته: سئل عنها جمع متأخرون فأبدوا فيها آراء متخالفة بحثا من غير نقل، فأفتى ابن حجر بحرمتها ونقله أيضا الإمام ابن دقيق العيد وأن الجوزة مسكرة، ونقله عنه المتأخرون من الشافعية والمالكية واعتمدوه، كما بالغ ابن العماد فجعل الحشيشة التي أجمع العلماء على تحريمها مقيسة على الجوزة، فهي محرمة لإسكارها أو تخديرها. “وقد وافق المالكية والشافعية على إسكارها الحنابلة، فنص إمام متأخريهم ابن تيمية وتبعوه على أنها مسكرة وهو قضية كلام بعض أئمة الحنفية. ففي فتاوى المرغيناني منهم: المسكر من البنج ولبن الرماك – أي أناثي الخيل – حرام ولا يحد شاربه قاله الفقيه أبو حفص، ونص عليه شمس الأئمة السرخسي انتهى. وقد علمت من كلام ابن دقيق العيد وغيره أن الجوزة كالبنج، فإذا قال الحنفية بإسكاره لزمهم القول بإسكار الجوزة، فثبت بما تقرر أنها حرام عند الأئمة الأربعة”.

وفي مؤتمر ” الندوة الفقهية الطبية الثامنة ” – ” رؤية إسلامية لبعض المشاكل الصحية ” ” المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء ” – والمعقود بدولة الكويت، في الفترة من 22 -24 من شهر ذي الحجة 1415هـ الذي يوافقه 22 – 24 من شهر مايو 1995، قالوا:”المواد المخدرة محرمة، لا يحل تناولها إلا لغرض المعالجة الطبية المتعينة، وبالمقادير التي يحددها الأطباء وهي طاهرة العين. ولا حرج في استعمال ” جوزة الطيب ” في إصلاح نكهة الطعام بمقادير قليلة لا تؤدي إلى التفتير أو التخدير.

والأصح أن جوزة الطيب مخدرة لا مسكرة فلا ينطبق عليها آيات أو أحاديث تحريم المسكرات لما ثبت علميا من عدم وجود مادة الكحول المسكرة فيها، أما المفترات والمخدرات عموما فيحرم استعمالها إن أدت إلى ضرر أو ادمان، وعلى ذلك لا يحرم استعمال القليل فقط من جوزة الطيب للنكهة في الطعام أو في كعك العيد أو مع الأرز وغيره، على أن المعتمد عندنا معشر الشافعية أن المسكر الجامد ليس نجسا ولا يحرم أكل قليله ما لم يضر أو يذهب العقل، والتحقيق أن المسكر الجامد ليس خمرا من الناحية العلمية، فتسمية الشافعية له مسكرا باعتبار أثره على العقل لا باعتبار حقيقة ذاته كما أثبت العلم اليوم.

جاء في حواشي الشرواني الشافعي: ” وخرج بالشراب ما حرم من الجمادات فلا حد فيها وإن حرمت وأسكرت على ما مر أول النجاسة بل التعزير لانتفاء الشدة المطربة عنها ككثير البنج والزعفران والعنبر والجوزة والحشيشة المعروفة فهذا كما ترى دال على حل القليل الذي لم يصل إلى حد الإسكار كما صرح به غيره.

أقول: ومما يدل على حله عبارة الشارح في شرح بافضل: أما الجامد فطاهر ومنه الحشيشة والأفيون وجوزة الطيب والعنبر والزعفران فيحرم تناول القدر المسكر من كل ما ذكر كما صرحوا به.

وعبارة شرح المنهج: وخرج بالمائع غيره كبنج وحشيش مسكر فليس بنجس وإن كان كثيره حراما اهـ. وعبارة الكردي: على الأول قوله القدر المسكر إلخ أما القدر الذي لا يسكر فلا يحرم؛ لأنه طاهر غير مضر ولا مستقذر”.

ومثله عند المالكية، فقد نص ابن فرحون أن الجوزة وكثير الزعفران والبنج والسيكران من المفسدات، قليلها جائز وحكمها الطهارة. وقال البرزلي: أجاز بعض أئمتنا أكل القليل من جوزة الطيب لتسخين الدماغ واشترط بعضهم أن تختلط مع الأدوية، قال الحطاب: والصواب العموم.

وتخريجا على أصل المالكية والشافعية أن جوزة الطيب طاهرة: يحل زراعتها، وبيعها، وأكلها بما لا يؤدي إلى الضرر وإذهاب العقل، ولو ذهب عقل آكلها يعاقب عقوبة تعزيرية ولا يحد حد شارب الخمر.

والكثير من جوزة الطيب محرمة لما ثبت علميا من ضررها، يقول الدكتور محمد علي البار: “يحتوي الزيت الطيار الموجود في البذرة على مادة; الميريستسين myristicin، وهي مادة منومة إذا أخذت بكميات كبيرة، ومفترة بكميات أقل من ذلك، وإذا أكثر الشخص من استعمالها أثرت على الكبد تأثيرا سميا قد يكون قاتلا، وتسبب الاعتماد النفسي عليها إذا تكرر استخدامه”.

الخلاصة في حكم جوزة الطيب انها طاهرة يحل زراعتها، وبيعها، وأكلها بما لا يؤدي إلى الضرر وإذهاب العقل، والله تعالى أعلم.

مصدر الفتوى من كتاب:

فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة(191-194)


اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي من النسخ