الفتاوىفتاوى العقيدةفتاوى المناسبات الدينية والوطنية

حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

السؤال:

ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فهل هو بدعة كما يدعي البعض أم سنة كما يدعي البعض الآخر.

الجواب:

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عادة لا عبادة مقصودة لذاتها فلا يمكن تصنيفه من ضمن البدع أو الحكم عليه بها، فهو عادة لا نعرف بالضبط زمن نشأتها لكن نعرف أن الدولة الفاطمية التي نشأت عام 300 للهجرة في المهدية –في تونس- ثم انتقلوا إلى المنصورة –في الإسكندرية- ثم أسسوا القاهرة في مصر وجعلوها عاصمة دولتهم في منتصف القرن الرابع الهجري، أي نشأت قبل أحد عشر قرنا من الزمان.

وذكر ابن كثير في حوادث سنة 630 للهجرة في ترجمة الملك المظفر أبي سعيد كوكبرى ابن زين الدين على بن تبكتكين أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد، له آثار حسنة، وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا، وكان مع ذلك شهما شجاعا فاتكا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله وأكرم مثواه. وقد صنف الشيخ أبو الخطاب ابن دحية له مجلدا في المولد النبوي سماه (التنوير في مولد البشير النذير)، فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في الملك في زمان الدولة الصلاحية، قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى، قال: وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء…”.

وقد انتشرت عادة المولد النبوي الشريف في البلدان وعبر الأزمان حتى أصبحت عادة إسلامية عامة انتشرت في العالم الإسلامي من شرقه لغربه خاصة في عصر المماليك والدولة العثمانية ولا زالت أصداؤها ظاهرة للعيان كل عام إلى يومنا هذا…

وقد انقسم فيها العلماء ما بين منكر لها وآخر داع إليها، قائل بعدم مشروعية الاحتفال به وآخر بعظيم أجره وواسع فضله، والحقيقة أن المسألة فقهية لا يوجد أي دليل قاطع من كتاب الله تعالى لأي من الفريقين فينبغي احترام كل طرف لرأي المخالف في المسألة دون إنكار أو نكير، وهي من مسائل الفروع لا من مسائل العقيدة الإسلامية؛ لتعلقها بعمل هو إظهار السرور بالأفعال والأقوال بمولد سيد الخلق محمد r فلا يقبل في مسائل الفروع تشديد الإنكار، والتبديع وكثرة الاستنكار، بل ليكن شعار كل طرف (كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب) كما علمنا السلف والخلف ممن حملوا رأيه هذا الدين وحققوا غايته، فمن البدع المنكرة تشديد الإنكار على المخالف في هذه المسألة الظنية المولدة المستحدثة التي لا نص فيها من كتاب الله أو سنة رسول الله r.

والذي أراه أن الاحتفال بالمولد الشريف أمر مستحب يؤجر فاعله للأدلة التالية:

الدليل الأول: من القرآن: عموم قوله تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58] ولا شك أن مولد النبي محمد r فضل للأمة ورحمة بنص القرآن (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107] وقد أمرنا الله أن نفرح برحمته، ومن مظاهر الرحمة الفرح والسرور بمولد الهادي محمد r بعبادة كالذكر والصلاة عليه r لا بمعصية، وكيف لا نفرح بمن قال فيه ربه (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164].

الدليل الثاني: وقد يستدل بقوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم: 5] فقد طلب الله من موسى ومنا أن نذكر الناس بأيام الله تعالى، ومن معاني أيام الله تلك الأزمنة من الأيام التي تفضَّل الله على عباده فيها بنعم عظيمة وآلاء جليلة، ولا شك أن من أيام الله تعالى يوم مولده r، فيندب تذكير الناس في هذا اليوم بفضله r والدعوة إلى حبه، وضرورة اتباع سننه، واجتناب الشيطان وبدعه.

ولعل من يستمع إلى تذكرة أو يطبق ذكرا في هذا اليوم يتعرض لنفحاته تعالى فتثمر خيرا عظيما في قلبه كما قال r: (إن لربكم عز وجل في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا).

الدليل الثالث: من السنة أنه r (سئل عن صوم يوم الاثنين؟ قال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أنزل علي فيه)، وهذا في الأصول مسلك يفيد العلية وهو الإيماء، أي أن علة صومه r يوم الاثنين أنه يوم ولد فيه، وقدمه على العلة الأخرى أنه بعث فيه، فقد عظَّم r هذا اليوم بعبادة هي الصوم، فلم لا نعظم مولده r بعبادة أقل من الصوم الدائم المتكرر بأن نجعل يوما في العام نزيد فيه من جمع الناس حوله، والتذكير بشمائله وعظيم فضائله، فلا شك أنه بمفهوم الموافقة مستحب كصوم يوم الاثنين.

الدليل الرابع: في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي r لما قدم المدينة، وجدهم يصومون يوما، يعني عاشوراء، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرا لله، فقال: أنا أولى بموسى منهم. فصامه وأمر بصيامه)، وفي مسند أحمد بسند صحيح عن ابن عباس قال: (قدم رسول الله r المدينة، فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال لهم: “ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ “، قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومٌ نَجَّى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى عليه السلام، فقال رسول الله r: “أنا أحقُّ بموسى منكم”، فصامه رسول الله r وأمر بصومه).

وجه الدلالة من الحديث أن النبي r عظم هذا اليوم الذي نجى الله فيه موسى فأحياه بعبادة هي الصوم تعظيما لهذا اليوم، وشكرا لنعمة الله على تفضله على عبادة بإنجائهم من عدوهم، ولا شك أن اليوم الذي ولد فيه خير الخلق محمد r هو أعظم من ذلك اليوم أو بمثل عظمته على الأقل، فيستحب أن نحييه بسنة شكرا للمنعِم تعالى على هذا المنعَم r بإحياء هذا اليوم بعبادة هي العلم والذكر بالحديث عن سيرة المصطفى r وصفاته وفضائله وشمائله والصلاة عليه والتصدق على الفقراء بجمع الناس على طعام لوجه الله تعالى شكرا على فضله وغيرها من أوجه العبادة، وهو من جهة مقابلة النعم كلما تجددت بالشكر.

الدليل الخامس: من إقرار الصحابة ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب، (أن رجلا، من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة: 3] قال عمر: «قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي r، وهو قائم بعرفة يوم جمعة)، فلم ينكر عليهم تعظيم هذا اليوم الذي من الله على الأمة بإكمال دينها باتخاذه عيدا، ومثله اليوم الذي ولد فيه شفيع الأمة، وخير خلق الله، والرحمة المهداة.

الدليل السادس: دخوله تحت عمومات وإطلاقات نصوص تدعو إلى حب محمد r منها ما في صحيح البخاري عن أنس، قال: (قال النبي r «لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن هشام، قال: (كنا مع النبي r وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي r: «لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك» فقال له عمر: فإنه الآن، والله، لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي r: «الآن يا عمر»)، وفي صحيح ابن حبان قال r: (ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون الله فيه ويصلون على النبي إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة، وإن أدخلوا الجنة للثواب). ولا شك أن الاحتفال بمولده r بإحياء سنته بعبادة لا ببدعة هو مظهر من مظاهر حبه r وعلامة من علامات احترامه وتقديره وعشقه.

فإن قال قائل: كيف لا نبدع فيها ولا نفسق، ولا نشدد النكير على من ابتدع في دين الله ما ليس فيه وقد قال r في صحيح مسلم (فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)، فليس المولد في كتاب الله ولا سنة رسول الله هو من المبتدعات في الدين فيكون ضلالة! فأقول: قد بينا – في الفتوى السابقة – بما لا مجال للشك فيه تخصيص حديث كل بدعة ضلالة وان البدع منها الحسن والقبيح، ناهيك أن الحديث يتكلم عن البدع في الدين؛ لقوله r: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، والاحتفال بالمولد عادة لا عبادة فلا يدخل أصلاً تحت عموم الحديث، فلا يشمله بمبناه ولا معناه، فلا يصح الاستدلال بأحاديث البدع عليه.

ولو سلمنا جدلا أنه يدخل تحت عمومه فالبدعة تنقسم إلى الأحكام التكليفية الخمسة، ولا شك أن الاحتفال بمولده r من البدع الحسنة التي يؤجر فاعلها، وإن كنت لا أرى تسميتها بدعة وإنما هي أمر مستحب يدخل تحت مسمى السنة فيؤجر فاعله، فهو عبادة لا بذاته وإنما من جهة تعظيم النبي r وما يفعل بالمولد من عبادات كالعلم من الحديث عن سيرته r وشمائله وإطعام الفقراء ودعوة الناس إلى حبه r… فلا شك أن الاحتفال بمولده r خير عظيم، وابتكار يحقق مصالح شرعية كثيرة فلا يدخل تحت عموم حديث البدعة، وإنما تحت قوله r: (من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء).

فإن قيل: كيف يؤجر فاعلها وهي عادة لا عبادة كما قلت؟ فالجواب: أن كل عادة صحيحة قصد بها وجه الله أصبحت عبادة بالنية لا بذاتها، فالعادات تنقلب بالنية إلى طاعات، والمباحات تصبح بالنية مندوبات، فالنية تحول العادة إلى عبادة، فهي عادة في ذاتها عبادة بنيتها وجه الله تعالى؛ لقوله r: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) فالهجرة من مكان على مكان عادة مباحة إن قصد بها دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، لكنها تتحول إلى عبادة إن قصد بالهجرة الله ورسوله، فالهجرة عادة تحولت بالنية إلى عبادة، فإن نوى بالاحتفال بالمولد وجه الله أُجِر، وإن نوى غير ذلك فعلى نيته…

فلو قال قائل: إن عددا كبيراً من العلماء بدع الاحتفال بالمولد النبوي وأنكره، فالجواب أنه لو أردنا الاستدلال بالعدد لأسعفنا ذلك ولم يسعف المنكرين؛ لأن من قال باستحباب المولد أكثر من أن يُحْصَوا، فمن العلماء الذين قالوا باستحبابه على سبيل المثال: الإمام السيوطي في حسن المقصد في عمل المولد ونقل نصوصا عن عدد من العلماء في استحبابه كالإمام ابن حجر العسقلاني، وابن الحاج المالكي، والإمام الحافظ شمس الدين ابن الجزري في كتابه المسمى (عرف التعريف بالمولد الشريف)، والحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في كتابه المسمى (مورد الصادي في مولد الهادي)، والإمام الحافظ عبد الرحيم العراقي كما نقل عنه في شرح المواهب اللدنية للزرقاني، وابن عابدين، والقسطلاني في المواهب اللدنية، والحافظ شمس الدين السخاوي والتقي السبكي كما نقل عنهما صاحب السيرة الحلبية، والشيخ أحمد بن زيني دحلان: مفتي الشافعية بمكة، وممن ألف كتبا ندب فيها إلى الاحتفال بمولد سيد الخلق: أبو الخطاب ابن دحية الكلبي السبتي في كتابه (التنوير في ميلاد السراج المنير أو التنوير في مولد البشير النذير)، والقاضي أبو العباس أحمد اللخمي العزفي السبتي في كتابه: “الدر المنظم في مولد النبي الأعظم”.

والإمام أبو شامة في كتابه الباعث إلى إنكار البدع والحوادث بقوله: ” ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل ما كان يفعل بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي r من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء مشعر بمحبة النبي r وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله وشكرا لله تعالى على ما من به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة”، يقول ابن تيمية: ” فتعظيم المولد، واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله r “.

أما العلماء المعاصرون فكثيرون كالقرضاوي، والشعراوي، والبوطي، وعبد الله بن بيه، ونوح القضاة، ووهبة الزحيلي، وعمر بن حفيظ.

فإن قالوا: لا يوجد في الإسلام سوى عيدان والمولد ليس منها! قلنا لهم: ومن قال لكم إن الاحتفال بالمولد النبوي عيد أصلاً، بل هو ذكرى سعيدة لا أكثر، فإن قالوا: إن أول من ابتدعه الفاطميون الضالون! قلنا لهم: لم يكن صيام اليهود ليوم عرفة مانعا من النبي r أن يصومه، بل عَلَّمَنا النبي r أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، والخير نفعله بغض النظر عن فاعله، فالحق لا يعرف بالرجال، بل علمنا r أن نقبل الفائدة من إبليس عندما علم أبا هريرة: (إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة: 255]، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح – وكانوا أحرص شيء على الخير – فقال النبي r: «أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة»، قال: لا، قال: ذاك شيطان)، فلو دعمت دول الكفر كما تفعل اليوم بناء المساجد أو المدارس والجامعات الإسلامية في بلادها هل تكون محرمة!!!

فإن قالوا بتحريمه لاختلاطه ببدع كثيرة من اختلاط محرم وسفور ورقص ماجن وأحيانا شرب المسكرات وغيرها من المنكرات… فالجواب أننا نتكلم عن المولد بالنظر إلى ذاته، فإن اختلط بمحرم كان محرما لما احتف به من محرمات ننكرها ولا نقرها، فلا يقال: إن الاحتفال بالعيدين اليوم محرم؛ لكثرة ما حل فيهما من منكرات معروفة من سفور وفجور. بل نقول: إن الصواب تحريم هذه المنكرات وبقاء حكم إحياء يوم ميلاد المصطفى بعبادة على أصل مشروعيته.

وإني لأعجب كل العجب من دعاة وعلماء يبدعون ويضللون اليوم في بعض الأقطار العربية من يحتفل بالمولد النبوي الشريف!!! أعجب؛ لأن المسألة ظنية لا قطعية، الخلاف فيها مقبول معتبر، فالقول بأنه بدعة فيه ادعاء بعدم وجود دليل للقائلين بمشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، كيف لا وعندهم من الأدلة الكثير سبق وأن استدل العلماء بأقل منها مرتبة فكان الخلاف فيها مقبولا عند أهل العلم من السلف والخلف، فالقول بالتبديع فيه دعوى عدم وجود دليل أصلاً للمخالفين!، أما لو قالوا أننا نرجح عدم مشروعية الاحتفال بالمولد أو كراهته أو حتى تحريمه لكان الكلام في ظل حوار هادئ بين أهل العلم يؤجر فيه المصيب أجران ويؤجر المخطئ أجرا واحدا، أما التبديع ففيه نفي للأجر أصلاً عن المبتدع، وقطع بخطئه في مسألة ظنية.

والأنكى والأدهى، بل والطامة الكبرى فيمن يضلل المحتفلين بالمولد، وما علم هذا المسكين أن الضلال في الدين لا يكون في الظنيات وغيرها من المجتهدات، بل الضلال واقع في القطعيات أو الاعتقادات، ومسألة المولد ليس فيها نص قاطع من كتاب الله أو سنة رسول الله r أو اجماع الأمة، فهي مسألة ظنية، كما أن الكلام فيها كلام في حكم شرعي نسبي يكون المجتهد فيه مأجورا في الحالتين أصاب أو أخطأ على مذهب المصوبة والمخطئة وغيرهم من المفصلة، لا إخباراً عن واقع يكون المخالف مخبرا خبرا كاذبا – ولو لم يقصد الكذب- مخالفا للواقع والمصيب فيه واحد إجماعا فيكون المخطئ فيه ضالا، فالضلال في الدين مصطلح استخدمه الأكثر في أمور القطعيات أو غيرها من الإخبارات التي يكون المصيب فيها واحدا حتى لو كان الدليل ظنيا؛ لأنها إخبار عن واقع ووصف لموجود لا يحتمل أن يكون المصيب فيه متعددا.

الخلاصة أن الاحتفال بمولد النبي r بِسُنَّةِ العلم، والذكر، والصلاة عليه، والصدقات كإطعام الطعام وتقديم أنواع الحلوى، والمديح المقبول يؤجر فاعله إن قصد به وجه الله ودفعه إليه حب المصطفى وتحبيب الناس فيه وحثهم على الاقتداء به والسير على سنته واتباع هديه وتنفيذ أمره، ولا يشرع الاحتفال بالمولد النبوي ببدع ومنكرات واختلاط محرم…

 

مصدر الفتوى من كتاب:

فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة (161-170 )


اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي من النسخ