الفتاوىفتاوى الصلاة

حكم الجمع بين الجمعة والعصر في المطر أو الثلج

السؤال:

ما حكم الجمع بين صلاة الجمعة والعصر في المطر أو الثلج؟ وما صحة ما ينسب إلى جمهور العلماء من بطلان هذا الجمع؟

الجواب:

يجوز شرعاً الجمع بين الجمعة والعصر وهو المعتمد عند سادتنا الشافعية، ودليل ذلك أن الجمعة بدل الظهر، والقاعدة الفقهية المقررة تنص على أن (البدل يأخذ حكم الأصل) فإن جاز جمع الظهر مع العصر في حالة العذر والمشقة الظاهرة المنضبطة كالمطر والثلج جاز الجمع في بدلها وهو الجمعة مع العصر.

ومن الأدلة القوية على قولنا ما في صحيح مسلم عن ابن عباس، قال: «جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوف، ولا مطر» في حديث وكيع: قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: «كي لا يحرج أمته»، وفي حديث أبي معاوية: قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: «أراد أن لا يحرج أمته.

وجه الدلالة أن النبي جمع حتى لا يوقع الأمة في الحرج، وهذا الحرج الذي لأجله أجزنا جمع الظهر مع العصر نفسه موجود بين الجمعة والعصر، فلا فرق، فيباح الجمع حينها والله تعالى أعلم.

ولم يرد عنه عليه الصلاة والسلام حديث ينص على إباحة الجمع أو المنع منه، فهي مسألة اجتهادية سائغة للمتفقهين، وما يستدل به البعض بما في صحيح البخاري عن أنس بن مالك، قال: (أصابت الناس سنة على عهد النبي r، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة قام أعرابي، فقال يا رسول الله: هلك المال وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة، فوالذي نفسي بيده، ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي – أو قال: غيره – فقال: يا رسول الله، تهدَّم البناء وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي “قناة” شهراً، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود).

وجه استدلالهم بهذا الحديث أن النبي لم يجمع بين الجمعة والعصر، والظاهر أن الحديث لم يرد فيه أن النبي جمع أو لم يجمع وإنما أخبر عن الجو المطير دون ذكر لا من قريب أو بعيد لموضوع الجمع، فلا يكون العدم حجة لمن أباح الجمع أو منعه.

وتنبه إلى أن جمهور الفقهاء –من الحنفية والمالكية والحنابلة- منعوا الجمع بين الظهر والعصر في المطر والثلج، وبما أنهم منعوا جمع الأصل وهو “الظهر” مع العصر، فمن البداهة أن يمنعوا جمع البدل وهو “الجمعة” أي مع العصر.

وعلى ذلك ليس من الأمانة العلمية لمن يبيح الجمع بين الظهر والعصر ويمنع الجمع بين الجمعة والعصر أن يستدل وينسب إلى جمهور الفقهاء منعهم جمع الجمعة مع العصر دون بيان أنهم منعوا الجمع بين الظهرين، فمن التناقض بمكان أن نبيح الجمع بين الظهر والعصر ونمنع الجمع بين بدله وهو الجمعة والعصر، فلو أن الجمهور أباحوا الجمع بين الظهرين لأباحوا الجمع بين الجمعة والعصر، وبما أنهم منعوا هناك فقد منعوا هنا.

قال النووي الشافعي: ” يجوز الجمع بين الجمعة والعصر في المطر، ذكره ابن كج وصاحب البيان وآخرون، فإن قدم العصر إلى الجمعة اشترط وجود المطر في افتتاح الصلاتين وفي السلام في الجمعة كما في غيرها. قال صاحب البيان: ولا يشترط وجوده في الخطبتين؛ لأنهما ليسا بصلاة، بل شرط من شروط الجمعة فلم يشترط المطر فيهما كما لا يشترط في الطهارة”.

وخلاصة الأمر يباح الجمع بين الجمعة والعصر عند جمهور من أباح الجمع بين الظهر والعصر وعلى رأسهم المذهب الشافعي، وهو ما أفتي به وأرجحه، ويطمئن إليه قلبي، وأتدين به إلى ربي، والله من وراء القصد.

 

مصدر الفتوى من كتاب: فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة (99-101 )


اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي من النسخ