الفتاوىفتاوى الصلاة

حكم ترتيب قضاء الصلوات كمن أدرك العصر ولم يصل الظهر

السؤال:

لم أصل الظهر، فهل يجب علي قضاؤها أولا ثم أصلي العصر، أم أن الترتيب مستحب. وإذا ودخلت المسجد بعد صلاة العصر ووجدت الإمام يصلي العصر، فهل أصلي معه العصر ثم أقضي الظهر، أم أقضي الظهر معه جماعة ثم بعدها أصلي العصر وحدي؟

الجواب:

إخراج الصلاة عن وقتها لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: إخراجها عن وقتها دون عذر (عمد أو تقصير):

إن كان إخراجه للظهر عن وقتها –بأن دخل وقت العصر دون أن يصليها- بتقصير أو تعمد منه فهو:

  1. آثم بإخراجها عن وقتها لمخالفته قول الله تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء: 103] ولقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4، 5] وفسر جمع من السلف السهو بإخراج الصلاة عن وقتها، ولقوله r: (من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله) فيأثم بقدر ما يخرج من الركعات عن وقتها، فإن أخرج ركعة أثم بقدرها، وإن صلى ركعتين في الوقت وركعتين بعد دخول وقت الصلاة الأخرى دون عذر في التأخير أثم بقدر ركعتين.
  2. يجب عليه القضاء على الفور.
  3. يجب الترتيب بقضاء الفائتة أولا وهي هنا صلاة الظهر عند الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية، بشرط أن يبقى وقت يسع الصلاة الحاضرة، ويستحب الترتيب ولا يجب في المعتمد عند الشافعية، وهو ما نفتي به

الحالة الثانية: إخراجها عن وقتها بعذر:

وهو في هذه الحالة لا يكون آثما، ولا يجب عليه قضاء الصلاة على الفور، بل يقضيها قضاءً موسعا في أي وقت شاء، ولا إثم في تأخيرها ففي صحيح ابن حبان قال عليه الصلاة والسلام (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فالقضاء موسع، ولا يلزمه قضاؤها في وقت العصر أو في ذلك اليوم، ولكن يستحب قضاؤها فورا؛ لقوله تعالى (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات) [البقرة: 148]، واسراعا لإبراء ذمته، ولقوله r (من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك (وأقم الصلاة لذكري) [طه: 14]).

ويدل أن القضاء لا يجب فورا ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة، ( أن رسول الله r حين قفل من غزوة خيبر، سار ليله حتى إذا أدركه الكرى عرس، وقال لبلال: «اكلأ لنا الليل»، فصلى بلال ما قدر له، ونام رسول الله r وأصحابه، فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر، فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله r، ولا بلال، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله r أولهم استيقاظا، ففزع رسول الله r، فقال: «أي بلال» فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ – بأبي أنت وأمي يا رسول الله – بنفسك، قال: «اقتادوا»، فاقتادوا رواحلهم شيئا، ثم توضأ رسول الله r، وأمر بلالا فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: «من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها»، فإن الله قال: {أقم الصلاة لذكري} [طه: 14]).

أما الترتيب فالجمهور على وجوبه، ودليلهم عموم الحديث السابق الذي حمله الشافعية على الاستحباب، ولأن النبي r صلى العصر التي فاتته يوم الأحزاب قبل أن يصلي المغرب، فعن أبي سعيد الخدري، قال:(حُبِسنا يوم الخندق، حتّى كان بعد المغرب [هويًّا]، وذلك قبل أن ينزلَ في القتال ما نزل، فلما كفينا القتال، وذلك قول الله: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}؛ أمر رسول الله r بلالًا فأقامَ الظهرَ، فصلاها كما كانَ يصليها في وقتها، ثمَّ أقامَ العصر فصلاها كما كانَ يصليها في وقتها، ثمَّ أقامَ المغربَ فصلاها كما كانَ يصليها في وقتها)، ولا دليل فيه على الوجوب، بل يحمل فعله r على الاستحباب، ومن المعلوم في علم الأصول أن فعله r ليس فيه دلالة وحده على الوجوب، بل على مطلق المشروعية.

والمعتمد عند الشافعية أنه مستحب كما بينت سابقا؛ مراعات لخلاف الجمهور تقليلا للخلاف معهم، ولم يصح دليل في وجوب الترتيب، ولأن كل واحدة عبادة مستقلة فلا وجه للترتيب سوى الاستحباب، وقياسا على قضاء رمضان فلا يجب الترتيب بينه وبين صوم آخر أو قضاء رمضان سابق على لاحق، وإنما كان الترتيب بين الصلوات المؤدية كل في وقتها لضرورة الوقت.

وقد توهم البعض أن الترتيب واجب عند الشافعية لمن أخرج الصلاة عن وقتها دون عذر، وهو بعيد فقد نص الشافعية على خلاف ذلك بقولهم: “وأطلق الأصحاب ترتيب الفوائت فاقتضى أنه لا فرق بين أن تفوت كلها بعذر أو عمدا وهو المعتمد خلافا لبعض المتأخرين حيث قال فيما لو فات بعضها عمدا إن قياس قولهم أنه يجب قضاؤه فورا أن تجب البداءة به وإن فات الترتيب المحبوب”، بل قالوا: ” وجرى شيخ الإسلام والشهاب الرملي، والنهاية، والمغني على استحباب الترتيب إذا أمكنه إدراك ركعة من الحاضرة في الوقت وحملوا إطلاق تحريم إخراج بعض الصلاة عن وقتها على غير هذه الصورة”.

أما صلاة الجماعة فاستحب البعض تقديم الفائتة عليها “ولو خاف فوت جماعة حاضرة فالأفضل عند المصنف الترتيب للخلاف في وجوبه. فإن قيل: لم يراع الخلاف في صلاة الجماعة؟ فقد قيل بوجوبها أيضا، ولذلك رجحه الإسنوي ونقله عن جماعة. أجيب بأن الخلاف في الترتيب خلاف في الصحة، بخلافه في الجماعة”، واستحب آخرون أن يصلي الجماعة ثم يقضي الفائتة، والذي أراه أن الأولى أن ينوي الظهر مؤتما بالإمام الذي يصلي العصر مراعاة للقائلين بوجوب الترتيب بين الصلوات وكي لا يفوته فضل الجماعة والله تعالى أعلم.

 

مصدر الفتوى من كتاب:

فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة (87-90 )


اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي من النسخ