حكم تغيير اسم عائلة الزوجة لاسم عائلة زوجها.
السؤال:
ما حكم أن أغير اسم عائلتي إلى اسم عائلة زوجي؟ هل هو من باب تغيير الأنساب
المحرم -كما يفتي به كثير من المشايخ- أم هو حلال؟
الجواب:
لا يحرم على الزوجة تغيير اسم عائلتها إلى اسم عائلة زوجها إذا وجدت الحاجة،
ويكره لغير الحاجة ولا يحرم، وليس هذا من باب تغيير الأنساب المحرم؛ للأدلة
التالية في نظري:
أولا: الزوجة لا تغير اسم أبيها وجدها وإنما تغير اسم عائلتها، والنسب
يتحقق باسم الأب والجد، بدليل قوله تعالى (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ
اللَّهِ) [الأحزاب: 5]، فقد جعل الله تعالى التبني المحرم بالنسبة لغير الأب؛ لما
فيه من تغيير النسب، فضابط تغيير النسب المحرم أن ينسب الشخص لغير أبيه، والأب اسم
للأصل وإن على فيشمل الأب والجد.
ثانيا: يدل على جواز ذلك ما في صحيح البخاري قال r: (ليس من رجل ادعى لغير أبيه – وهو يعلمه – إلا
كفر، ومن ادعى قوما ليس له فيهم، فليتبوأ مقعده من النار)، فهذا الدليل هو عمدة من أدلة القائلين بحرمة تغيير
عائلة الزوجة لاسم عائلة زوجها، وهو على الصحيح دليل للمبيحين لا دليل عليهم، فقد
حرم النبي r
الانتساب لغير الأب، فبحسب مفهوم المخالفة من انتسب لأبيه وكان
انتسابه بعد الأب لغيره فلا حرمة، أي محور الحرمة الانتساب لغير الأب، ومن تغير
اسم عائلة لا تنتسب لغير أبيها؛ لأن اسم أبيها باق.
ثالثا: إن اسم العائلة ليس أصلا، فعادة ما تنسب العائلة لوصف كالكريم أو
لقب كجعارة أو عمل كالنجار والحداد أو علة كالأعرج والأطرش أو منصب كالوزير أو
غيرها من الألفاظ، وقد تكون النسبة لأحد الجدود كالهاشمي نسبة إلى هاشم جده r أو البدارين نسبة إلى أحد أجدادي أو التميمي
نسبة إلى تميم الداري… وليس في النسبة إليهم اختلاط أنساب في عصرنا؛ لأن
القوانين المعاصرة تضع في معاملاتها الرسمية في وزارة الداخلية وكثير من الأحيان
على جواز السفر أو الهوية أو دفتر العائلة اسم العائلة الأول منعا لاختلاط
الأنساب، ومعرفة اسم العائلة المنتقل منها يسهل معرفته بوسائل كثيرة في عصرنا فلم
يبق اختلاط أنساب.
رابعا: أن النسبة إلى عائلة الزوج هي في الحقيقة نسبة لا نسب، أي نسبة إلى
الزوج لا نسب إلى عائلته، فقوله تعالى (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَة) [الأعراف:
73] فهي نسبة أمان لا نسبة استعمال، وقوله (مَسَاجِدَ اللَّهِ) [البقرة: 114] فهي
نسبة عبادة لا نسبة مكان، وبيت الله نسبة
ملك لا نسبة مبيت… فليس كل نسبة هي نسبة نسب وإنما تختلف باختلاف الاعتبار فنسبة
الزوجة إلى عائلة زوجها هي نسبة انتساب إلى الزوج برابطة الزوجية لا ارتباط إلى
ذات العائلة.
فهي نسبة تعريف لا نسبة نَسَب فهو من باب قوله تعالى (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ
لُوطٍ) [التحريم: 10] فالنسبة إلى النبيين هي نسبة تعريف لا نسبة نسب فكذلك
الزوجة، ولا يحرم التعريف بالنسبة إلى عائلة الزوج وإنما المحرم الانتساب حقيقة
إلى عائلته، فتغيير اسم العائلة من باب التعريف لا الانتساب.
خامسا: أرى قياسها على قوله r لما (خط الخندق عام حرب الأحزاب حتى بلغ المذاحج،
فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا فاحتج المهاجرون: سلمان منا، وقالت الأنصار: سلمان منا.
فقال رسول الله r: سلمان منا أهل البيت)، فنسب سلمان لأهل البيت لكنها ليست نسبة نسب وإنما نسبة
تشريف، فكان أصلا في النسبة إن عُرِف النسب، وكذلك نسبة الزوجة إلى عائلة زوجها،
فهي نسبة مصاهرة لا نسب للعائلة.
سادسا: ويمكن قياس جواز ذلك على مسألة الولاء، فقد كان المولى (العبد) ينسب
إلى عائلة مولاه وهو من عائلة أخرى.
الخلاصة:
يكره تسمية الزوجة باسم عائلة زوجها إن لم يكن ثمة حاجة مراعاة
لخلاف من حرم ذلك، هذا هو الحكم الأصلي، كما يعتريه أحكام أخرى هي:
1.
يحرم لكسب أحكام النسب كالميراث والمحرمية والبنوة وللاستفادة من الوقف
الذُرِّي وغيره…، فيحرم الانتساب إلى أي عائلة ليست عائلة الشخص بقصد اكتساب
مزايا النسب وأحكامه إلى هذه العائلة كما تفعل كثير من العائلات من الانتساب لأهل
البيت؛ لشرفه ورفعته، وانتساب كثير من العائلات في بلادنا لعائلة “التميمي”
أي بني تميم لنيل شرف النسبة إلى هذا الصحابي الجليل أو لتحصيل مكاسب وقف بني تميم،
فكل تغيير لاسم العائلة لغرض غير صحيح أو للاحتيال على الغير فلا شك بتحريمه.
2.
يباح للحاجة، وتكون من باب النسبة لا النسب والتعريف لا الإضافة للأصل.
3.
يحرم إن لم يبق ما يدل على النسب الأصلي دلالة ظاهرة لا مخفية؛ لما فيه من
اختلاط الأنساب، كأن كان يصعب معرفة اسم العائلة الأصلية بأن أخفتها، أو لم تكن
الدول تبين ذلك بوسائل سهلة ميسورة كوضعها في الهوية وغيرها من الأوراق الرسمية
الظاهرة كدفتر العائلة، فيحرم تغييرها في شهادة الميلاد مثلا…
وأنبه على أمور:
1.
يحرم إجبار شخص على تغيير اسم عائلته جبرا عنه، فانتساب الإنسان لاسم
عائلته حق شخصي له يحرم إجباره على تغييره، فيحرم على الأزواج أو الدول إجبار الزوجة
على تغيير اسم عائلتها لاسم زوجها دون رضى تام منها، ما لم تكن ثمة مصلحة ظاهرة
يراها الحاكم؛ لأن تصرف الإمام على الرعية منوط بمصلحتهم، فهو حق مختص به لا يحق
لأحد إجبار الزوجة أو غيرها على تغيير اسم العائلة.
2.
يحرم الانتساب إلى الزوج بأن تسمى الزوجة باسم زوجها بأن يوضع اسم الزوج
مكان اسم أب الزوجة كما تفعله بعض الدول، بل يجب أن يوضع قبله: فلانة زوجة فلان بن
فلان، والله تعالى أعلم.
مصدر الفتوى:
(فتاوى معاصرة 2) (ص113-116)، الناشر دار النور المبين، عمان، الاردن، الطبعة الأولى، 2017م، المؤلف د. أيمن عبد الحميد البدارين
مصدر الفتوى:
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.