عدالة الزكاة من خلال معطيها وآخذها وأموالها ومصارفها
عدالة الزكاة من
خلال معطيها وآخذها وأموالها ومصارفها
د. أيمن عبد
الحميد عبد المجيد البدارين
الأستاذ المشارك
في الفقه وأصول الفقه / جامعة الخليل –
فلسطين
ملخص
البحث:
يلقي
هذا البحث الضوء ويركز على إبراز عدد من مظاهر العدالة التشريعية والمجتمعية التي
حَرَص المشرع على تحقيقها في الزكاة من خلال أركان الزكاة الأربعة: المعطي والآخذ
والمأخوذ والمعطى له، فتجلت عدالة الإسلام التشريعية والمجتمعية في:
1- معطيها من خلال أخذها من المسلم دون
الكافر، وتعلقها بمال الصبي والمجنون الغنيين، وعدم أخذها من العبد، وعدم أخذها من
الدولة والمال العام.
2- وبرزت هذه العدالة في آخذها (الجهاز الإداري)
من خلال اشتراط شروط في العامل تحقق العدالة المجتمعية، وإعداد العامل على حرمة
الخيانة وقبول الهدايا.
3- وظهرت هذه العدالة في المال المزكى في اشتراط
بلوغ المال المزكى النِّصاب، واشتراط مرور سنة قمرية على المال المزكى، وفي زكاة
الأنعام في اشتراط السوم (عدم الإعلاف)، وعدم وجوب الزكاة في الأنعام العوامل،
واشتراط السلامة من العيوب، واشتراط اخراج الأنثى، واشتراط السن، وفي اخراج الوسط
منها، وفي تساوي المال الذي تجب فيه الزكاة، وفي التخفيف من زكاة الغنم. وتميزت
هذه العدالة في الذهب والفضة والفلوس المعاصرة في التخفيف من زكاة الذهب والفضة
والفلوس، وعدم إيجاب الزكاة عن حلي النساء. وفي الثروة التجارية في ضرورة تقدير
نصاب التجارة بالذهب اليوم، وفي تقويم البضاعة الواجب تزكيتها بسعر الجملة، وفي
اعتبار كمال نصَاب عروض التجارة آخر الحول فقط، وفي زكاة الثروة الزراعية في تخفيف
الزكاة عن الزرع كلما زادت كلفته.
4- وتحققت هذه العدالة التشريعية والاجتماعية في أداء الزكاة ومصارفها في
جعل الدولة تتبنى جمع الزكاة، وفي منع نقل الزَّكَاة إلى غير بلد المال، وفي إعطاء
الفقير والمسكين كفاية العمر، وفي منع اعطاء الزكاة لغير الأصناف الثمانية.
تمهيد:
الزَّكَاة
تحرير لآخذها من ذل حاجته، فالإسلام يريد للناس أن يَحْيَوا حياة طيبة، ففي
الحديث: (أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح،
والمركب الهنيء، وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق،
والمركب السوء) رواه ابن حبان.
والزَّكَاة
نوع من الضمان الاجتماعي، فالزَّكَاة أول
تشريع منظم في سبيل ضمان اجتماعي لا يعتمد على الصدقات الشخصية التطوعية، بل
مساعدات الدولة الدورية لتحقيق كفاية المطعم والملبس والمسكن… للمسلم ومن يعول.
تجلت
عدالة الإسلام في التدرج في تشريعها من عبادة مطلقة موكولة الى مخرجها في مكة الى
عبادة منظمة كاملة في العهد المدني، جاء ذكر الزَّكَاة في أكثر من سورة مكية منها
قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) (المؤمنون: 4). قال ابن كثير:
الأكثرون على أن المراد بالزَّكَاة هاهنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية،
وإنما فرضت الزَّكَاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة. والظاهر أن التي فرضت
بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزَّكَاة كان
واجبا بمكة، كما قال تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ
حَصَادِهِ) (الأنعام: 141)”. وبعد أن استقرت دولة الإسلام، وتجذرت الأخوة
الإسلامية، وأصبحت رابطة الدين فوق رابطة النسب فرضت الزَّكَاة بصورتها النهائية في
السنة الثانية من الهجرة النبوية، فنجد الأمر صريحا في سورة البقرة بالأمر بالزكاة
– وهو ما لم يكن موجودا في القرآن المكي (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاة) (البقرة: 43، 83، 110)، كما بين القرآن المدني أن عموم الأموال تجب
فيها الزَّكَاة بعموم قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة: 103)، كما بين مصارف الزَّكَاة (إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
(التوبة: 60).
الزَّكَاة مورد أساسي من الموارد المالية في الدولة
الإسلامية، وتمثل المؤسسة الأولى للضمان الاجتماعي في الإسلام، فإن خمسة من
مصارفها الثمانية تتمثل في ذوي الحاجات الأصلية أو الطارئة من الفقراء والمساكين
وفي الرقاب والغارمين وابن السبيل. ومصرف سادس لخدمة هذه المصارف وهو الجهاز
الإداري لجمع الزَّكَاة وتفريقها. أما المصرفان الباقيان فلهما علاقة بسياسة
الدولة الإسلامية ورسالتها في العالم، ومهمتها في الداخل والخارج، فلها – من مال
الزَّكَاة – أن تؤلف القلوب على الإسلام، استمالة إليه، أو تثبيتاً عليه، أو
ترغيباً في الولاء لأمته، والمناصرة لدولته، أو نحو ذلك مما تقتضيه المصلحة العليا
للأمة.
فجاء
هذا البحث ليلقي الضوء على عدد من مظاهر العدالة التشريعية في المجتمعات المسلمة
التي حَرَصت الزكاة على تحقيقها من خلال آخذها من الجهاز الاداري المسؤول عن جمعها
وتوزيعها، ومن خلال معطيها من الأغنياء، ومن خلال المال الذي وجبت فيه الزكاة، ومن
خلال المصارف الذي تعطى لهم الزكاة.
فالنظام
الإسلامي الزكوي يقوم على أن المال مال الله، والجباة من الجهاز الاداري لجمعها هم
الأمناء على هذا الحق دون تفريط أو افراط، والأغنياء أبناء الإسلام عليهم شكر نعم
الله عليهم بدفع جزء من هذا المال المنعم به عليهم لإخوانهم المحتاجين تحقيقا
لمبدأ الأخوة الإسلامية، ليعطوه لمستحقيه من مصارف الزكاة، فكلهم أبناء هذا الدين
العظيم، فعمل الأب الحاني أن يعدل بين أبنائه دون شطط أو غلط، وجون اسراف أو تقتير
تحقيقا لمبدأ العدالة الظاهرة في وسطية هذا الدين العظيم (وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: 143].
وقد قسمت هذا البحث إلى تمهيد ومقدمة وأربعة مباحث:
جعلت المبحث الأول في: عدالة الزكاة التشريعية والاجتماعية من
خلال معطيها، وقسمته إلى أربعة مطالب:
المطلب
الأول: عدالة الإسلام في أخذ الزكاة من المسلم دون الكافر.
المطلب
الثاني: عدالة الإسلام في أخذ الزَّكَاة من مال الصبي والمجنون الغنيين.
المطلب الثالث: عدالة الإسلام في عدم أخذ
الزكاة من العبد.
المطلب
الرابع: عدالة الإسلام في عدم أخذ الزكاة من الدولة والمال العام.
وجعلت المبحث
الثاني في: عدالة الإسلام التشريعية
والاجتماعية من خلال آخذها (الجهاز الإداري)، وقسمته إلى ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: من هم العاملون عليها.
المطلب
الثاني: اشتراط الإسلام شروطا في العامل تحقق العدالة المجتمعية.
المطلب الثالث: عدالة الإسلام في إعداد
العامل على حرمة الخيانة وقبول الهدايا.
وبحثت
في المبحث الثالث: عدالة الزكاة التشريعية
والاجتماعية في المال المزكى، وجعلته في خمسة مطالب:
المطلب
الأول: عدالة الإسلام في اشتراط بلوغ المال المزكى النِّصاب.
المطلب الثاني: عدالة الإسلام في اشتراط
مرور سنة قمرية على المال المزكى.
المطلب الثالث: عدالة الزكاة في زكاة الأنعام. وجعلته في ثمانية
فروع:
1- عدالة الإسلام في اشتراط السوم (عدم الإعلاف).
2- عدالة الإسلام في
عدم وجوب الزكاة في الأنعام العوامل.
3- عدالة الإسلام في اشتراط السلامة من العيوب.
4- عدالة الإسلام في اشتراط اخراج الأنثى.
5- عدالة الإسلام في اشتراط السن.
6- عدالة الإسلام في اخراج الوسط من الانعام.
7- عدالة الإسلام في تساوي المال الذي تجب فيه
الزكاة.
8- عدالة الإسلام في التخفيف من زكاة الغنم.
المطلب
الثالث: عدالة الإسلام في زكاة الذهب والفضة والفلوس المعاصرة،
وبحثت فيه فرعين:
1- عدالة الإسلام في التخفيف من زكاة الذهب
والفضة والفلوس.
2- عدالة الإسلام في عدم إيجاب الزكاة عن حلي
النساء.
المطلب
الرابع: عدالة الإسلام التشريعية والمجتمعية في الثروة التجارية، وجعلته في ثلاثة
فروع:
1- عدالة الإسلام في ضرورة تقدير نصاب التجارة
بالذهب اليوم.
2- عدالة الإسلام في تقويم البضاعة الواجب
تزكيتها بسعر الجملة.
3- عدالة الإسلام في اعتبار كمال نصَاب عروض التجارة آخر
الحول فقط.
المطلب
الخامس: عدالة الإسلام في تخفيف الزكاة عن الزرع كلما زادت كلفته.
المبحث
الرابع: عدالة الإسلام التشريعية والاجتماعية في أداء الزكاة ومصارفها،
وجعلته في أربعة مطالب:
المطلب
الأول: عدالة الإسلام جعل الدولة تتبنى جمع الزكاة.
المطلب الثاني: عدالة الإسلام في منع نقل
الزَّكَاة إلى غير بلد المال.
المطلب
الثالث: عدالة الإسلام في إعطاء الفقير والمسكين كفاية العمر.
المطلب الرابع: عدالة الإسلام في منع
اعطاء الزكاة لغير الأصناف الثمانية.
وختمت
البحث ببيان أهم النتائج والتوصيات
وفهرست لأهم المصادر والمراجع مرتبة هجائياً بحسب مؤلفيها،
وذكرت فهرساً للموضوعات.
نتائج
البحث:
توصل
الباحث الى عدد من النتائج المهمة أبرزها:
1. العدل هو الأمر المتوسط بين الإفراط
والتفريط، والزَّكَاة هي إخراج مال بنية من مال أو عن شخص يصرف لطائفة مخصوصة
بشروط.
2. العدالة مقصد تشريعي واجتماعي حرص الإسلام
على تحقيقه في الزكاة.
3. تجلت عدالة الزكاة التشريعية والاجتماعية
من خلال معطيها في أخذها من المسلم دون الكافر،
وفي أخذها من مال الصبي والمجنون الغنيين، وفي عدم أخذها من العبد والدولة
والمال العام.
4. ظهرت عدالة الإسلام التشريعية والاجتماعية
من خلال آخذها (الجهاز الإداري) في اشتراط الإسلام شروطا في العامل تحقق العدالة
المجتمعية، وفي إعداد العامل على حرمة الخيانة وقبول الهدايا.
5. اتضحت عدالة الزكاة التشريعية والاجتماعية
في المال المزكى من خلال اشتراط بلوغ المال المزكى النِّصاب، واشتراط مرور سنة
قمرية على المال المزكى. وفي زكاة الأنعام من خلال اشتراط السوم (عدم الإعلاف)،
وعدم وجوب الزكاة في الأنعام العوامل، واشتراط السلامة من العيوب، واشتراط اخراج
الأنثى، واشتراط السن، وفي اخراج الوسط من الانعام، وفي تساوي المال الذي تجب فيه
الزكاة، وفي التخفيف من زكاة الغنم.
6. كما ظهرت عدالة الإسلام في زكاة الذهب
والفضة والفلوس المعاصرة من خلال التخفيف من زكاة الذهب والفضة والفلوس، وعدم
إيجاب الزكاة عن حلي النساء.
7. وتجلت أيضا عدالة الإسلام التشريعية
والمجتمعية في الثروة التجارية من خلال الدفع إلى ضرورة تقدير نصاب التجارة بالذهب
اليوم، وتقويم البضاعة الواجب تزكيتها بسعر الجملة يوم اخراج الزكاة، وفي اعتبار
كمال نصَاب عروض التجارة آخر الحول فقط.
8. تبينت عدالة الإسلام في تخفيف الزكاة عن
الزرع كلما زادت كلفته.
9. ورأينا عدالة الإسلام التشريعية
والاجتماعية في أداء الزكاة ومصارفها من خلال جعل الدولة تتبنى جمع الزكاة، ومنع
نقل الزَّكَاة إلى غير بلد المال، وفي إعطاء الفقير والمسكين كفاية العمر، وفي منع
اعطاء الزكاة لغير الأصناف الثمانية.
توصيات
البحث:
يوصي
الباحث:
1. بمزيد من الأبحاث التي تتحدث عن مقاصد
الزكاة وحكمها.
2. بتبني الدولة واجب جمع الزكاة وتوزيعها
وتعيين الأكفاء المدربين لهذا المنصب الخطير.
3. بأن تقوم هيئة الإفتاء بتحديد نصاب الزكاة
بشكل دوري للمجتمع كل شهر مرة.
4. الحكومة بتخفيف الضرائب عمن يؤدي الزكاة
إن صرفها في مصرف معتبر ظاهر للدولة.
لتنزيل البحث كاملا يرجى الضغط على كلمة ( هنا ) رجاء
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.