الفتاوىفتاوى الطهارةفتاوى اللباس والزينة

ما يجب على من خلع الخف الممسوح عليه

السؤال:

توضأت ومسحت على الخف أو الجورب ثم خلعته من رجلي، فهل خلع الجورب في هذه الحالة ينقض الوضوء أم لا؟ وهل يجوز لي الصلاة؟

ويقول سائل آخر: في حال المسح على الجوارب ثم نزعها مع بقاء الوضوء وغسل القدمين فقط فهل هذا يجزئ ويكون كامل الطهارة ؟

الجواب:

هذه مسألة قديمة أكثر الناس اليوم من السؤال عنها؛ لكثرة وقوعها لغلبة مسح الناس على الجوربين خاصة، ونحن في خلع الخف أمام حالتين:

الأولى: أن يخلع الخف وهو على وضوئه الأول أي قبل أن يمسح على الخفين أو ينقض وضوءه فهنا لا يؤثر نزع الخف في الوضوء اتفاقا، فيبقى وضوؤه قائما دون نقض، ولا شيء عليه.

الثانية: أن ينتقض وضوؤه الأول ثم يتوضأ ويمسح على خفيه ثم يخلعهما بعد ذلك ولا زال على هذا الوضوء الأخير فللفقهاء في هذا آراء:

  • لا شيء عليه، ووضوؤه باق لم ينتقض، فيصلي بعد خلع خفيه وإن لم يغسل رجليه وإن لم يتوضأ، وإليه ذهب داود الظاهري، واختاره الحسن، وهو مذهب علي بن أبي طالب، فعن عبد الرزاق، عن معمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي ظبيان الجنبي قال: (رأيت عليا «بال قائما حتى أرغى، ثم توضأ ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه فجعلهما في كمه، ثم صلى)، وإسناده جيد، لكنه رأي علي رضي الله عنه وليس دليلا بذاته، كما أنه محجوج بمخالفة بقية الصحابة له. ومن أدلة هذا القول القياس على حلق الشعر بعد الوضوء، فإنه لا ينقض الوضوء.
  • ينتقض وضوؤه كله، فيجب عليه الوضوء كاملاً، وإليه ذهب الإمام مالك في رواية، والشافعي في القديم وصححه جماعة من الشافعية، والحنابلة في المعتمد، وبه قال النخعي، والزهري، ومكحول، والأوزاعي، وإسحاقومن أدلتهم أن المسح رفع الحدث فإذا نزع الخف تجدد الحدث وهو لا يتبعض لأنا لا نجد شيئا ينقض الوضوء في عضو دون غيره فيعم فيجب الوضوء، والجواب عنه أن النزع ليس بحدث بل الحدث هو ما سلف وقد عمل بموجبه إلا غسل الرجل أبدل بالمسح، فإذا ذهب المسح أكملت الطهارة بالغسل، ولأن غسل الرجلين شرط للصلاة، وإنما قام المسح مقامه في المدة، فإذا انقضت لم يجز أن يقوم مقامه إلا بدليل؛ ولأنها طهارة لا يجوز ابتداؤها، فيمنع من استدامتها، كالمتيمم عند رؤية الماء.
  • ينتقض غسل قدميه فقط، فيجب عليه غسل رجليه فقط دون الوضوء الكامل، وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمشهور عند المالكية والشافعي في الجديد وهو المعتمد في المذهب الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد.

والرأي الثالث هو الراجح؛ لما يلي:

  • بخلع الخف ينتقل حكم المسح بخلع الخفين للرِّجل، والرِّجل لا تمسح فيجب غسلها.
  • إن خلع أحد خفيه أو كليهما وهو لا يزال على وضوئه الأول قبل أن يمسح عليهما – ومثله لو جدد وضوءه دون أن ينتقض – فلا يؤثر هذا الخلع على وضوئه؛ لأن وضوءه قائم وطهارته لا زالت باقية، وخلع الخفين ليس حدثا.
  • أن المسح بدل الغسل، فإذا زال المسح بزوال محله عاد الأصل وهو الغسل، فإزالة الجورب أو الخف الممسوح عليه فيه إزالة ما بني عليه وهو المسح، وإزالة المسح عن الرجلين يرجعهما إلى الأصل وهو غسل الرجلين.

وللمسألة أصول بنيت عليها أهمها أن من قال إن الموالاة في الوضوء شرط أبطل الوضوء بنزع الخف للفاصل الزمني بين الوضوء وإعادة غسل الرجلين، ومن قال إن الموالاة سنة لم يبطل الوضوء مكتفيا بوجوب غسل الرجلين، وليس لمن لم يوجب عليه شيئاً أصلٌ صحيح يعتمد عليه في نظري.

ولا يصح قول من قال: إنه لا ينتقض وضوؤه قياسا على الرأس. حيث إن من مسح على شعره في الوضوء ثم حلق شعره لا ينتقض وضوؤه فكذلك هنا قياسا عليه.

والجواب:

  1. إن فرض طهارة الرجل كان قائماً عليه وقت المسح، فمتى ارتفعت الرخصة: عاد إلى أصل فرضه. والماسح على رأسه لم يكن عليه إمساس الماء بشرة رأسه، ولم يكن فرضه غير المسح، لا على جهة البدل عن غيره، فزوال الشعر بعد ذلك، لا يلزمه فرضا لم يكن لزمه قبل؛ لأن زوال الشعر ليس بحدث.
  2. إن مسح شعر الرأس أصل في نفسه وليس ببدل عن غيره، فينتقل الأمر إلى البدل عند زوال الشعر. والخف بدل فانتقل إلى غيره عند زواله.
  3. أرى أن هذا قياس باطل أو مع الفارق، وذلك أن الواجب في المسح هو الرأس وليس الشعر بدليل قوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) [المائدة: 6] ولم يقل بشعوركم، وكون الشعر متصلاً بالرأس وجزأً منه كان المسح عليه كافيا في المسح على الرأس، وقطع جزء قليل من الممسوح لا يبطل المسح. أما لو قطع الأصل وهو الرأس فإن المسح يبطل!!! والشعر جزء قليل من الرأس فلا يبطل المسح بحلقه لبقاء الممسوح عليه الأصلي الغالب وهو الرأس. كما أن من غسل رجله ثم سُلخ جلد رجله لمرض أو عملية – مثلا – لا ينتقض وضوؤه ولا تذهب طهارة رجليه؛ لأن الأصل هو غسل الرجل وهي باقية لم تذهب، ومن قطعت رجله لا ينتقض وضوؤه؛ لأن غسل الرجل يسقط في هذه الحالة، فإن سقط غسلها لعدم وجودها لا ينتقض الوضوء بترك ما لا يجب غسله أصلاً والله تعالى أعلم.

ومع ذلك يستحب لمن خلع خفه أو جوربه إعادة الوضوء كاملا خروجا من خلاف من أوجب ذلك ومراعاة لاجتهادهم.

 

مصدر الفتوى من كتاب:

فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة (62-66 )


اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي من النسخ