ضوابط اللباس الشرعي للمرأة المسلمة

السؤال:
ما هي الضوابط أو الشروط الشرعية الواجب توفرها ووجودها في لباس المرأة المسلمة ليكون شرعياً اليوم خاصة مع كثرة الموديلات والتقليعات والموضات المعاصرة، أرجو أن تبين لنا هذه الضوابط لتكون قاعدة لنا في تمييز اللباس الشرعي عن غيره.
الجواب:
يجب أن تتوفر الضوابط والشروط التالية في لباس المسلمة؛ ليكون شرعيا، وهذه الضوابط تستطيع كل فتاة من خلالها أن تحكم على لباسها أو لباس غيرها بأنه شرعي أو غير شرعي، وهي ضوابط لا خلاف عموما فيها بين الفقهاء:
الضابط الأول: أن يستر جميع جسدها عدا الوجه والكفين.
حيث ذهب جمهور علماء الأمة إلى أن الوجه والكفين ليسا عورة كالحنفية، والمالكية، ومتقدمي الشافعية، والحنابلة، بشرط أن لا يكون في إظهار الوجه أو الكفين فتنة كأن تكون المرأة متزينة أو ظاهرة الجمال، وهو رأي القرضاوي ونسبه لجمهور علماء الأزهر والزيتونة والقرويين وعلماء باكستان والهند وتركيا، وهو رأي أكثر المعاصرين اليوم، ودليل ذلك قوله تعالى:﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ (سورة النور: 31)، وما ظهر منها هو الوجه والكفان كما فسرها به ابن عباس وابن عُمَرو والنخعي والطبري.
الضابط الثاني: أن يكون ثخيناً لا يشف عما تحته.
فيحرم لبس الرقيق من الثياب أمام غير المحارم؛ لقوله r: “صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سِياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا”، “وأما معنى قوله: كاسيات عاريات، فإنه أراد اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف
الذي يصف ولا يستر فَهُنَّ كاسيات بالاسم، عارياتٌ في الحقيقة، مائلات عن الحق، مُميلاتٍ لأزواجهن عنه”، “وإنما جعلهنّ كاسيات لأن الثياب عليهنّ، وإنما وصفهنّ بعاريات لأن الثوب إذا رقَّ يكشفهنَّ وذلك حرام”.
الضابط الثالث: أن يكون واسعا فضفاضاً غير ضيق.
فالضَيِّقُ يصف مفاتن المرأة ويناقض مقصد الستر، لحديث أسامة بن زيد قال: (كساني رسول الله r قبطية كثيفة مما أهداها له دِحْيَة الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال: مالك لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي، فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها”، فأمرها النبي r أن تلبس ما يمنع وصف عظامها.
الضابط الرابع: ألا يكون اللباس ملفتا للنظر.
كأن يكون مزينا بزينة أو زخارف أو ألوان تلفت أنظار الرجال إليها، لقوله تعالى: ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ [سورة النور: 31]، وقوله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾ [سورة الأحزاب:33]. وقوله r: “ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة، وعصى إمامه، ومات عاصياً، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجّت بعده فلا تسأل عنهم”، وفسر الشوكاني التبرج “أن تُبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجال”.
ولا يشترط في الجلباب لون معين؛ لقوله r: (طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه).
ومن الألبسة غير الشرعية الملفتة للنظر أن تلبس المرأة ساترا كجلباب فاقع اللون كالفسفوري والبرتقالي والألوان العاكسة للضوء، أو تلبس حذاء طويلا أصفر اللون أو تضع زخارف بارزة بلون آخر ملفت للنظر أو تزينه بمعادن أخرى أو حزام (زنار) بلون مغاير ملفت للنظر…
وضابط هذا الشرط عرفي، فكل ما كان ملفتا للنظر في بلد كان مخالفا للشرع؛ لأنه فتنة، فرب لباس في بلد يكون شرعيا دون بلد آخر، فلبس الألوان الفاقعة في بعض دول افريقيا كنيجيريا قد يكون مستساغا ليس ملفتا كون أكثر النساء يلبسن ذلك ولا يلفت نظر الرجال، بينما هو محرم في البلاد العربية مثلا، والثوب المطرز التراثي القديم كان في غابر الأيام حلالا؛ لأن أكثر النساء يلبسنه فلم يكن ملفتا بخلاف اليوم؛ لغرابته، فلو دخلت صبية الجامعة وهي تلبسه لاخترقتها أسهم عيون الشباب في كل خطوة تخطوها، فالقاعدة في الملفت أو الزينة في ذاته من اللباس هو عرف غالب البلد، فقد يكون اللباس محققا لباقي الشروط لكنه ملفت للنظر فلا يكون شرعيا من هذه الجهة.
وقد عبر كثير من العلماء عن هذا الشرط: (ألَّا يكون لباس شهرة)، والبعض الآخر: (أن لا يكون زينة بذاته)، وعرفوا لباس الشهرة بأنه ما يُلبس من ثوب أو جلباب أو نعل بقصد الاشتهار به بين الناس، لجودته وغلاء ثمنه، أو لرداءته وبساطة شأنه، لكون الأول: تفاخراً بالدنيا وزينتها، والثاني: تظاهراً بالقناعة وزهداً بالدنيا ومباهجها، وهذا التعبير مأخوذ من قوله r: “من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مَذَلَّة يوم القيامة، ثم ألهبَ فيه النار”.
وأرى أنه شرط واحد لا يختلف عن كونه ملفتا للنظر؛ لأن ما كان زينة في نفسه أو لباس شهرة فهو ملفت للنظر، فهو القاسم المشترك بينهما، ويدل عليه أن النبي r: ” نهى عن الشهرتين أن يلبس الثياب الحسنة التي يُنظر إليه فيها، أو الدنيّة أو الرثة التي يُنظر إليه فيها”، فلفت نظر الناس هو العلة.
الضابط الخامس: ألّا يكون معطراً.
ودليل هذا الضابط قوله r قال: “أيما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية، وكل عين زانية”، وقوله r: “أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهدنَّ معنا العشاء الآخرة”، وقوله r: “إذا خرجت إحداكنّ إلى المسجد فلا تقرَبنَّ طيباً”.
الضابط السادس: عدم التشبه بلباس الرجال.
ودليله حديث “لعن رسول الله r الرجل يلبس لِبسَة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل”، وقوله r: “ليس منّا من تشبَّه بالرجال من النساء، ولا من تشبّه بالنساء من الرجال”، وقوله r: “لعن رسول الله r المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال”.
الضابط السابع: عدم التشبه بلباس الكفار.
لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: “رأى رسول الله r عليّ ثوبين معصفرين فقال: “إنّ هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها”، أي مصبوغين بالعصفر وهو لون مائل إلى الصفار، وأنبه إلى أن التشبه بالكفار نوعان:
- لباس يختص به الكفار يميزهم عن غيرهم، أي يكون شعارا دينيا أو اعتقاديا كلبس قبعة اليهود الصغيرة أو ثوب رجال الدين المسيحيين أو عمامة السيخ أو لباس عبدة الشياطين فهو محرم شرعا؛ لأن فيه تشبها بشعار كفر، فلا أقل من تحريمه إن سلمت عقيدته.
- لباس لا يختص بالكفار، بل يلبسه الكفار وغيرهم كالبنطال، والبدلة، وربطة العنق، وخاتم الزواج، والبدلة البيضاء للعروس، واللباس الأسود للعزاء… فقد أصبحت هذه الألبسة عادات عالمية يلبسها المسلمون والكفار، فلم تعد مختصة بهم فلا تحرم، بل ولا يكره لبسها، ما لم يلبسها قاصدا التشبه بهم.
ومن الأمور المهمة هنا أن كل ما جاز للمرأة لبسه أمام غير محارمها من الرجال جاز صلاتها به، كما أنبه على أمر في غاية الأهمية أن اللباس خمسة أنواع: فمنه ما يباح وما يستحب وما يكره وما يحرم وما يجب لبسه، فلا يقتصر الحكم على الحرمة والإباحة، فكثير من الملابس تكون شرعية بنسبة 70% أو 80% أو 90% فتكون مكروهة بقدر ما فاتها من كمال تمام لباس الشرع ولا تكون محرمة.
مصدر الفتوى من كتاب:
فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة (216-221 )
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.