استحباب التسبيح بالسبحة
السؤال:
ما حكم التسبيح بالسبحة؟
الجواب:
يستحب استعمال السبحة، فإن كان تسبيحه باليد أكثر وكان باستطاعته تعويد نفسه عليها فهو أفضل، أما إن كان تسبيحه بالسبحة أكثر وأدوم ولا يستطيع أو يصعب عليه تعويد نفسه أن يسبح بيده فالسبحة أفضل لتكثير التسبيح، فاليد والسبحة وسيلتان للذكر، وفضل وسيلة اليد أكبر لذاتها كونها تنقذ اليد من الحرق بالنار يوم القيامة، أما السبحة فهي الوسيلة الأفضل من غيرها في حال كانت أكثر إعانة على التسبيح وتكثيره.
قال بعض العلماء: ” عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمرو، لكن يقال إن المسبح إن أمن من الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أولى “.
ويستدل على استحباب السبحة بأدلة منها:
- حديث صفية رضي الله عنها الذي رواه الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه وأبو يعلى في مسنده (عن صفية رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن، فقال: « يا بنت حيي ما هذا ؟ » قلت: أسبح بهن، قال: « قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا » قلت: علمني يا رسول الله، قال: « قولي سبحان الله عدد ما خلق من شيء)، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وله شاهد من حديث المصريين بإسناد أصح من هذا. ثم ذكر حديث سعد بن أبي وقاص الآتي ، ووافقه الذهبي على صحته.
- حديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه الذي رواه أبو داود في التسبيح بالحصى والترمذي وابن حبان والحاكم والبزار: (عن عائشة بنت سعد بن أبى وقاص عن أبيها أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال « أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل ». فقال « سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك. ولا إله إلا الله مثل ذلك. ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك »).
- عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل فقال سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك). قال الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن حبان ووافقه الشيخ شعيب الأرناؤوط ، وقال السيوطي: صحيح، وجعله الحاكم أصح من سابقه على شرط الشيخين، وحسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني.
كما ننبه على أمور:
- العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال معتبر عند أهل العلم بشروط، بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك، فلو لم يكن في سنية السبحة سوى الأحاديث الضعيفة لجاز الاستدلال بها كونها تحقق تلك الشروط، فما بالك وقد صحح العلماء هذه الأحاديث أو حسنوها.
- للسبحة أهمية كبيرة في التذكير بالله تعالى، فالإصبع جزء من الإنسان ليس غريبا عنه مما يورث النسيان والغفلة، أما السبحة فجسم غريب في يدك تنبهك دائما لسبب وجودها في يدك وهو ذكر الله تعالى، فالسبحة وسيلة أنجع وأقوى تذكيرا من اليد، فلا شك أن تكون من هذه الناحية أفضل من اليد لمن يغفلون عن ذكر الله تعالى باليد – مع أن التسبيح باليد في الأصل أفضل – وهؤلاء الذين يغفلون وتساعدهم السبحة على ذكر الله هم الأكثر كما هو مشاهد فتكون أفضل؛ لأن ما ذَكَّرك أكثر بالله وإن كان في ذاته أقل فضلا أفضل قطعا مما ذكرك بالله أقل وإن كان بذاته أكثر فضلا.
- كما أن الإصبع والسبحة وسائل، والوسائل ليست مقصودة لذاتها وإنما للمتوسل إليه وهو هنا الذكر، فما كان للمقصد أمكن فهو إلى الاستحباب أقرب وأكثر، فالوسائل تأخذ حكم المقاصد، وكل من الإصبع والسبحة وسيلتان للذكر فيأخذان حكمه وهو الاستحباب والسنية أيضا ولو لم يرد في أي منهما حديث فما بالك وقد ورد، وتبقى الأفضلية للوسيلة التي تكون أكثر تذكيرا بالله وهو ما يختلف من شخص لآخر، فيختلف الحكم تبعا لذلك والله تعالى أعلم.
الآثار الواردة في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ومنها:
ساق السيوطي عددا من الآثار عن الصحابة تدل على استعمالهم للسبحة منها:
- أخرج الإمام أحمد في الزهد، حدثنا عفان، حدثنا عبد الواحد بن زياد عن يونس بن عبيد عن أمه قالت: رأيت أبا صفية – رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان جارنا – قالت: فكان يسبح بالحصى.
- وأخرج ابن سعد عن حكيم بن الديلي أن سعد بن أبي وقاص كان يسبح بالحصى.
- وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مولاة لسعد، أن سعدا كان يسبح بالحصى، أو النوى.
- وقال ابن سعد في الطبقات: أنبأنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا إسرائيل عن جابر عن امرأة حدثته عن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، أنها كانت تسبح بخيط معقود فيها.
- وأخرج عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد من طريق نعيم بن محرز بن أبي هريرة عن جده أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به.
- وأخرج أحمد في الزهد، حدثنا مسكين بن نكير، أنبأنا ثابت بن عجلان عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان لأبي الدرداء نوى من نوى العجوة في كيس فكان إذا صلى الغداة أخرجهن واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفدن.
- وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجزع.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري أنه كان يسبح بالحصى.
- وأخرج عن زاذان قال: أخذت من أم يعفور تسابيح لها فلما أتيت عليا قال: اردد على أم يعفور تسابيحها.
وذكر السيوطي عددا من فوائد المسبحة منها ” الاستعانة على دوام الذكر، كلما رآها ذكر أنها آلة للذكر فقاده ذلك إلى الذكر، فيا حبذا سبب موصل إلى دوام ذكر الله عز وجل، وكان بعضهم يسميها حبل الوصل، وبعضهم رابطة القلوب. وقد أخبرني من أثق بقوله: أنه كان مع قافلة في درب بيت المقدس فقام عليهم سرية عرب وجردوا القافلة جميعهم وجردوني معهم، فلما أخذوا عمامتي سقطت مسبحة من رأسي فلما رأوها، قالوا: هذا صاحب سبحة فردوا علي ما كان أخذ لي، وانصرفت سالما منهم. فانظر يا أخي إلى هذه الآلة المباركة الزاهرة وما جمع فيها من خيري الدنيا والآخرة، ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها، وقد رئي بعضهم يعد تسبيحا فقيل له: أتعد على الله؟ فقال: لا ولكن أعد له، والمقصود أن أكثر الذكر المعدود الذي جاءت به السنة الشريفة لا ينحصر بالأنامل غالبا، ولو أمكن حصره لكان الاشتغال بذلك يذهب الخشوع وهو المراد والله أعلم “.
مصدر الفتوى
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.