الفتاوىفتاوى الأسرةفتاوى الطهارةفتاوى اللباس والزينة

حكم استعمال فرشاة حلاقة من شعر الخنزير

السؤال:

اشتريت فرشاة حلاقة ايطالية مشهورة جدا ويستعملها عدد كبير من الحلاقين من نوع (omega)، وقد تفاجأت عندما دخلت إلى موقع المصنع أنها تصنع من شعر الخنزير، فما حكم استعمالها؟

الجواب:

شعر الخنزير نجس عند جماهير أهل العلم، فهو المعتمد عند الحنفية وأحد قولين مصححين عند المالكية – كما سيأتي – والشافعية والحنابلة.

قال المرغيناني الحنفي: “ولا يجوز بيع شعر الخنزير “لأنه نجس العين فلا يجوز بيعه إهانة له، ويجوز الانتفاع به للخرز للضرورة فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه”.

لكن أصبغ نقل عن ابن القاسم تحليله لشعر الخنزير البري (الوحشي) لا الذي يربى في المزارع والذي يصنع منه مثل هذه الفراشي، ثم خطأ قول ابن القاسم واعتمد نجاسته، قال أصبغ: ” سمعت ابن القاسم يقول: لا بأس ببيع شعر الخنزير خنزير الوحش، وهو مثل صوف الميتة، وكذلك رواها أبو زيد. قال أصبغ: هذا خطأ لا خير في ذلك، وليس مثل صوف الميتة ولا حق لبائعه، وهو مثل الميتة الخالصة كلها وأشر… والكلب أحل منه وأطهر”، فصوف الميتة إنما حل لأنه حلال منها وهي حية، فلما كان صوف الميتة إنما حل من أجل أنه يجوز أن يؤخذ منها في حال الحياة وجب ألا يحل أخذ شعر الخنزير الميت من أجل أنه لا يحل أن يؤخذ منه في حال الحياة.

ونص ابن حجر الهيتمي على ” حرمة استعمال نحو جلد الكلب والخنزير وشعرهما لغير ضرورة”.

وتحقيق مذهب المالكية وما اعتمده المتأخرون أن الشعر طاهر إن تم جزه دون أن يخرج معه شيء من الجلد فإن نتف نتفا – مثلا – فخرج معه النهايات الجلدية المتصلة بالشعر فتكون الشعرة نجسة لا لذاتها وإنما لاتصالها بهذه الخلايا النجسة، وتخريجا على قولهم تكون هذه الفراشي المصنوعة من شعر الخنزير طاهرة؛ لأنها تنظف من جميع ما يعلق بها من خلايا جلد الخنزير عادة.

قال ابن عرفة: ” الشعر والصوف والوبر من أي محل أخذ من غير قلع من غير مذكى طاهر، وكذا شعر الخنزير عند مالك وابن القاسم. اللخمي: أجازه مالك للخرازة “.

وصحح ابن رشد الجد قول ابن القاسم في أن شعر الخنزير طاهر، وأطلق طهارته حيا وميتا، وحقق القرافي الخلاف بينهما بقوله: ” وفي شعر الخنزير خلاف فمذهب ابن القاسم أنه كشعور الميتة، ومذهب أصبغ أنه كالميتة”.

واستدل القائلون بطهارة الشعور كلها – ومنها شعر الخنزير – أن الشعر لا تحله الروح وأنه يجوز أخذه من الحي والميت كان مما يؤكل لحمه كالأنعام والوحوش أو مما لا يؤكل لحمه كبني آدم وكالخيل والبغال والحمير وكالقرود التي قد أجمع أهل العلم على أنه لا تؤكل لحومها أو مما يكره أكل لحمه كالسباع، فوجب على هذا الأصل أن يكون شعر الخنزير طاهر الذات أخذ منه حيا أو ميتا تحل الصلاة به وبيعه لأن الله تعالى إنما حرم لحمه خاصة دون ما سوى ذلك منه بقوله تعالى: (وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) [البقرة: 173] فوجب أن يكون شعره موقوفا على النظر، وقد بينا ما يوجبه النظر فيه على أصل مذهب مالك.

وفي رواية عن الإمام أحمد اختارها ابن تيمية أن جميع الشعور طاهرة حتى شعر الكلب والخنزير، فعلى قولهم يحل استعمالها.

وأرى أن أصل الخلاف في المسألة يرجع إلى أمرين:

الأول: هل شعر الخنزير يلحق بلحمه أو هو غيره، والأظهر أنه غيره؛ لأن تكوين اللحم من ناحية تشريحية غير تكوين الشعر، وهو جاف لا يوجد فيه حجم تلك السوائل والرطوبات الموجودة في اللحم.

الثاني: هل يقاس تحريم استعمال الشعر على الأكل؟ أو هل أراد الله تحريم كل الخنزير فجرى الأكل على الغالب من الاستفادة منه لا أن التحريم مقيد بالأكل؟ أم أن الله قيد التحريم بأكله والشعر لا يؤكل فلا يحرم؟ خاصة إذا علمنا أن الله تعالى لم يذكر في القرآن تحريم الخنزير نفسه وإنما نص صراحة على تحريم لحمه قال تعالى (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) [الأنعام: 145] (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) [البقرة: 173] (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) [المائدة: 3] (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) [النحل: 115] فبحسب مفهوم المخالفة أن غير لحمه لا يكون محرما.

واستدل الجمهور بأحاديث تحرم الخنزير عامة ولا يوجد شيء منها في الكتب الستة سوى حديث في سنن أبي داود قال r: «إن الله حرم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه»، ويرد عليه أنه عام مخصوص بالآيات والأحاديث التي خصت التحريم باللحم خاصة، ولا يوجد في القرآن أو السنة نص على تحريم شعره.

وأرى أن كلام المالكية أرجح وكلام الجمهور أحوط.

 

مصدر الفتوى من كتاب:

فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة (57-60 )


اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي من النسخ