هل قدم المرأة عورة؟

السؤال:
هل قدم المرأة عورة، أي المنطقة التي تحت الكعبين (الرمانتين) في الصلاة وخارجها أمام غير المحارم من الجانب؟.
الجواب:
القدم عورة عند جماهير أهل العلم داخل الصلاة وخارجها فيحرم كشفها وهو المعتمد عند المالكية والشافعية والحنابلة واعتمده جمع من الحنفية.
واستدلوا بما في سنن أبي داود عن عائشة: (أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله r وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله r، وقال: “يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا” وأشار إلى وجهه وكفيه”.
وفي سنن أبي داود عن أم سلمة أنها سألت النبي r: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: “إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها”، والأصح أنه من قول أم سلمة كما في موطأ مالك لا مرفوعا إلى النبي r، وقال ابن الجوزي: “في هذا الحديث مقال وهو أن عبد الرحمن بن عبد الله قد ضعفه يحيى وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به، والظاهر أنه غلط في رفع هذا الحديث فإن أبا داود قال: قد رواه مالك وابن أبي ذئب وبكر بن مضر في هذا الحديث مقال وهو أن عبد الرحمن بن عبد الله قد ضعفه يحيى. وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به. والظاهر أنه غلط في رفع هذا الحديث فإن أبا داود قال: قد رواه مالك وابن أبي ذئب وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أمِّ سلمة من قولها، لم يذكر أحدٌ منهم النَّبيَّ r “.
والمعتمد عند الحنفية أن القدم ليست عورة لا داخل الصلاة ولا خارجها، وإليه ذهب الثوري والمزني من الشافعية، فقد جاء في الهداية: “وهذا تنصيص على أن القدم عورة. ويروى أنها ليست بعورة وهو الأصح (فإن صلت وربع ساقها أو ثلثه مكشوف تعيد الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وإن كان أقل من الربع لا تعيد وقال أبو يوسف – رحمه الله -: لا تعيد إن كان أقل من النصف) لأن الشيء إنما يوصف بالكثرة إذا كان ما يقابله أقل منه إذ هما من أسماء المقابلة”.
وحقق ابن عابدين مذهب الحنفية بما لا زيادة عليه عند تعليقه على ترجيح الحصكفي أن القدم ليست عورة مطلقاُ على المعتمد في المذهب الحنفي بقوله: ” (قوله على المعتمد) أي من أقوال ثلاثة مصححة، ثانيها عورة مطلقا، ثالثها عورة خارج الصلاة لا فيها “.
وكلام الحنفية وجيه؛ إذ تدخل القدمان تحت عموم قوله تعالى (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) [النور: 31] فقد اختلف الصحابة والتابعين في المستثنى وتبعهم العلماء في ذلك فقال ابن مسعود: ظاهر الزينة هو الثياب. وزاد ابن جبير الوجه. وقال سعيد بن جبير أيضا وعطاء والأوزاعي: الوجه والكفان والثياب. وقال ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسوار والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ، ونحو هذا فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس. ولا شك أن القدم مما يظهر عادة من النساء خاصة من نساء العرب اللاتي لم يكن يلبسن الجوارب والخفاف إلا قليلا؛ لشدة الحر، وطبيعة الصحراء الرملية، وعموما فالقدم أكثر ظهورا من الوجه واليدين.
قال الكاساني: ” روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه يحل النظر إلى القدمين أيضا. وجه هذه الرواية ما روي عن سيدتنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – في قوله تبارك وتعالى (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) [النور: 31] القلب والفتخة، وهي: خاتم أصبع الرجل فدل على جواز النظر إلى القدمين، ولأن الله تعالى نهى عن إبداء الزينة واستثنى ما ظهر منها والقدمان ظاهرتان، ألا ترى أنهما يظهران عند المشي؟ فكانا من جملة المستثنى من الحظر فيباح إبداؤهما.
كما أن فتنة إظهار القدمين أقل بكثير من فتنة الوجه واليدين، وهو مشاهد لا ينكره عاقل، فكون القدمين ليسا من العورة قياس أولى.
ولا شك أن الاحتياط هو الأخذ بمذهب الجماهير وإن كان في قول الحنفية سعة للمقلدين، وفسحة لنساء العالمين.
مصدر الفتوى من كتاب:
فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة (222-225 )
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.