حكم لبس الجلباب الملون، وهل يجب أن يكون غامقا؟

السؤال:
ما حكم لبس الجلباب أو الثوب الملون؟ وهل يشترط أن يكون لونه أسود أو غامقا فقط كما تقول كثير من الواعظات؟
الجواب:
ليس في الشريعة الغراء دليل صحيح يقصر على المرأة أن تلبس لباسا بلون معين، فجميع الألوان جائزة ما لم تكن ملفتة للأنظار، جالبة لعيون الرجال إليها، فالجلابيب والإشاربات الملونة لا حرمة فيها ما لم يكن لونها ملفتا للأنظار، فلا يشترط في الجلباب لون معين؛ لما روى عبد الله بن عمر (أنه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى النِّساء في إحرامهن عن القُفَّازَيْن والنِّقاب، وما مَسَّ الوَرْسُ والزعفرانُ مِن الثياب، ولتلبَسْ بعدَ ذلك ما أحبَّت مِن ألوانِ الثيابِ من مُعَصْفَرٍ أو خَزَّ أو حليٍّ أو سراويلَ أو قميصٍ أو خُفٍّ).
وفي صحيح البخاري عن عطاء قال: (وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ، قُلْتُ: وَمَا حِجَابُهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ، لَهَا غِشَاءٌ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا)، فعائشة رضي الله عنها كانت مجاورة أي مقيمة في جوف أي باطن جبل ثبير، وهو جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب منها إلى منى، وكان حجابها الذي تحتجب به عن الناس قبة تركية أي خيمة صغيرة وعلى الخيمة غشاء أي غطاء، وما كانت محجوبة عنهم بهذه الخيمة وليس بيننا وبينها سواها، وكانت تلبس درعا أي قميصا موردا أي أحمر لونه لون الورد، ولو كان لبس هذه الألوان محرما لما لبسته عائشة رضي الله عنها، وقد صرح عطاء هذه الرواية أنه شاهدها بعد فرض الحجاب بقوله:” إي لعمري، لقد أدركته بعد الحجاب” فهو تابعي فلا شك أنه رآها بعد فرضه.
وذكر كثير من العلماء أنه يحتمل أنه رأى ذلك عليها دون قصد أو أنه رأى ذلك وهو صغير، لما ورد في رواية عبد الرزاق (قال: هي في قبة لها تركية عليها غشاء لها، بيننا وبينها قال: قد رأيت عليها درعا معصفرا وأنا صبي)، وإسناده صحيح ولا يقبل تضعيف المعاصرين له بأن صاحب المصنف رواه مباشرة عن ابن جريج وهو مدلس؛ لأن ابن جريج من الثقات ومن أثبت الناس رواية عن عطاء فيما أخبر به، وقد صرح هنا بالإخبار ولم يعنعن فقال (أخبرنا عطاء) وقد قال عنه عمرو بن دينار: الأثرم أثبت الناس عن عطاء. وقال عنه أحمد بن حنبل: كان ابن جريج من أوعية العلم، وأثبت الناس في عطاء، وقد ولد عطاء سنة 26هـ تقريبا وعاش 88 سنة.
وفي مسند أحمد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر، قال: فنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا عَلَيَّ رَيْطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِعُصْفُرٍ، فقال: ” ما هذه؟ “، فعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كرهها، فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورهم، فلففتها، ثم ألقيتها فيه، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ” ما فعلت الريطة؟ ” قال: قلت: قد عرفت ما كرهت منها، فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورهم فألقيتها فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم دصلى الله عليه وسلم: ” فهلا كسوتها بعض أهلك “، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للنساء صراحة بلبس هذا الثوب الملون بلون الورد، فالريطة كل ثوب ليِّن رقيق، والمضرجة أي المصبوغة بالحمرة وهي دون المشبعة وفوق الموردة وهي المصبوغة على لون الورد، والتنور هو الفرن الذي يخبز به.
لكن يجب أن يكون اللون هادئا راكزا غير ملفت للنظر، فلا تلبس الألوان الفاقعة الملفتة كالفسفوري والبرتقالي الفاقع أو أي لون يلفت الأنظار.
مصدر الفتوى من كتاب:
فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة (231-233 )



