جواز إخراج زكاة الفطر حتى غروب يوم العيد وتكون قضاء بعده
السؤال:
هل يصح إخراج زكاة الفطر في يوم العيد، وهل صحيح ما هو مشهور بين الناس وما يتردد على أفواه كثير من المفتين أن إخراجها يوم العيد يجعلها مجرد صدقة لا تجزئ عن زكاة الفطر؟ وهل صحيح أن القول بجواز إخراج صدقة الفطر بعد صلاة العيد أو بعد يوم العيد قول شاذ مخالف لما عليه جماهير علماء الأمة؟ وهل يمكن أن تدعم قولك للمذاهب بنصوص تبين المعتمد عند المذاهب الأربعة في المسألة؟
الجواب:
اتفقت المذاهب الأربعة على جواز إخراج زكاة الفطر في يوم العيد بعد صلاة العيد وتبقى زكاة فطر، أي تصح عن زكاة الفطر، وليس صحيحا ما شاع عند العامة أنها لا تقع عن زكاة الفطر وإنما تقع مجرد صدقة مطلقة أي فلا تجزئه عن صدقة الفطر، ولكون ما أقول هو خلاف المشهور عند العوام بل عند كثير من طلبة العلم وأهله أسوق هنا بعض النصوص الدالة على اتفاق المذاهب الأربعة على ما قلت:
أولا: المذهب الحنفي: قال الزيلعي: ” جاز أداء صدقة الفطر إذا قدمه على وقت الوجوب وهو يوم الفطر أو أخره عنه، أما جواز التقديم فلأن سبب الوجوب قد وجد وهو رأس يمونه ويلي عليه فصار كأداء الزكاة بعد وجود النصاب ولا تفصيل فيه بين مدة ومدة في الصحيح… وأما جواز الأداء بعد يوم الفطر فلأنها قربة مالية معقولة المعنى فلا تسقط بعد الوجوب إلا بالأداء كالزكاة، وقال الحسن بن زياد تسقط بمضي يوم الفطر لأنها قربة اختصت بيوم العيد فتسقط بمضيه كالأضحية تسقط بمضي أيام النحر، قلنا هي قربة معقولة على ما بينا فلا تسقط بمضي الوقت كالزكاة بخلاف الأضحية لأن إراقة الدم غير معقول المعنى فلا تكون قربة إلا في وقتها وإذا مضى وقتها لا تسقط أيضا وإنما ينتقل إلى التصدق بها، والمستحب أن يخرجها بعد طلوع الفجر من يوم الفطر قبل صلاة العيد، بذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وقال صلى الله عليه وسلم من أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ولأن المستحب أن يأكل هو قبل الصلاة فيقدم للفقير أيضا ليأكل منها قبلها ويتفرغ للصلاة ” وقال الشلبي في حاشيته: ” قال في الغاية: وأما وقت أدائها فيوم الفطر من أوله إلى آخره وبعده يجب القضاء عند بعض أصحابنا والأصح أنه يكون أداء ويجب وجوبا موسعا ذكره في المحيط وفي الذخيرة لا يسقط بالتأخير ولا بالافتقار بعد وجوبه”.
ثانيا: المذهب المالكي: قال مالك: ” وحدثني عن مالك أنه رأى أهل العلم يستحبون أن يخرجوا زكاة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر قبل أن يغدوا إلى المصلى قال مالك وذلك واسع إن شاء الله أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده”، وقال أحمد الصاوي: ” وجاز إخراجها قبل العيد بيومين لا أكثر، ولا تسقط زكاة الفطر عن غني بها وقت الوجوب بمضي زمنها بغروب شمس يوم العيد بل هي باقية في ذمته أبدا حتى يخرجها”. وقال النفراوي: ” ويستحب لمن وجب عيه إخراج زكاة الفطر عن نفسه أو عن غيره إخراجها أي دفعها للمساكين الذين لا يملكون قوت يوم الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر وقبل صلاة العيد وفي المدونة وقبل الغدو إلى المصلى ليأكل منها الفقير قبل ذهابه إلى المصلى”، فقد استحب المالكية ذلك ولم يوجبوه.
ثالثا: المذهب الشافعي: قال الإمام المحلي في كنز الراغبين: ” ويسن أن لا تؤخر عن صلاته أي العيد بأن تخرج قبلها في يومه كما ذكره في شرح المهذب. ودليله ما روى الشيخان عن ابن عمر: { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. ويحرم تأخيرها عن يومه أي العيد فيجوز إخراجها فيه بعد صلاته وإذا أخرت عنه تقضى”، وعلق القليوبي بقوله: ” قوله: (ويسن أن لا تؤخر عن صلاته) أي عن أول وقتها الغالب وهو بعد طلوع الشمس بقدر ركعتين وخطبتين خفيفات ، نعم يندب تأخيرها عنها ولو بقية اليوم لا عنه ، لانتظار نحو قريب… قوله: (في يومه) أشار إلى أنه أفضل من إخراجها ليلا… قوله: (تقضى) لأن زمنها المقدر لها قد فات ، وبذلك فارقت زكاة المال ويجب العزم في قضائها إن لم يعذر في تأخيرها كغيبة المستحقين أو غيبة ماله في دون مسافة القصر لأن غيبته فيها سقط لها كما يأتي”. وقال الشربيني: ” قال الزركشي: ولا بد أن تكون فاضلة عن حاجته وحاجة من يمونه لأنها نوع صدقة وظاهر هذا أنه يكفي أن تكون فاضلة عما يحتاجه في ليلته ويومه وكسوة فصله كما في صدقة التطوع وينبغي أن تكون فاضلة عن يوم العيد وأيام التشريق فإنه وقتهما كما أن يوم العيد وليلة العيد وقت زكاة الفطر”
رابعا: المذهب الحنبلي: قال البهوتي: ” ويجوز إخراجها في سائره أي باقي يوم العيد؛ لحصول الإغناء المأمور به مع الكراهة؛ لمخالفة الأمر بالإخراج قبل الخروج إلى المصلى “، وقال ابن قدامة: ” والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة للخبر ولأن المقصود إغناء الفقراء يوم العيد عن الطلب لقول النبي صلى الله عليه وسلم أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم رواه سعيد بن منصور وفي إخراجها قبل الصلاة إغناء لهم في اليوم كله فإن قدمها قبل ذلك بيومين جاز لأن ابن عمر كان يؤديها قبل ذلك بيوم أو يومين ولأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها فيحصل الغناء بها فيه وإن عجلها لأكثر من ذلك لم يجز لأن الظاهر أنه ينفقها فلا يحصل بها الغنى المقصود يوم العيد وإن أخرها عن الصلاة ترك الاختيار لمخالفته الأمر وأجزأت لحصول الغنى بها في اليوم وإن أخرها عن اليوم أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته ولزمه القضاء لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين”.
واعلم أنني حرصت على نقل نصوص العلماء؛ لأن كثيرا من العلماء والمفتين والمشايخ كما نشاهد اليوم يظنون أن جواز إخراجها بعد صلاة العيد أو بعد يوم العيد قول شاذ يخالف رأي جماهير علماء الأمة، والصحيح العكس، والله تعالى أعلم. (لكن كيف نوجه الحديث الواصف لأخراجها بعد الصلاة كأن صدقة)
مصدر الفتوى من كتاب: (فتاوى معاصرة)، مؤلف الكتاب: للدكتور أيمن عبد الحميد البدارين،
دار النشر: دار الرازي للنشر والتوزيع، مكان النشر: عمان، الأردن، رقم الطبعة:
الطبعة الأولى، سنة الطبع: 1434هـ-2013م، رقم الصفحة (61-64).
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.