الفتاوىفتاوى الصوم

حكم إثبات دخول أو خروج شهر رمضان بالحسابات الفلكية


   

السؤال:

ما حكم إثبات دخول أو خروج شهر رمضان بالحسابات الفلكية؟

الجواب:

ذهب فريق من العلماء إلى الاعتماد على الحسابات الفلكية مطلقا، وذهب فريق آخر إلى عدم اعتبارها مطلقا معتمدين على الرؤية فقط، والأصوب التفصيل في هذه المسألة الخطيرة التي تُحدث في كل عام بلبلة في العالم الإسلامي، فالحسابات الفلكية معتبرة شرعا ويعمل بها ويعتمد عليها لكن في النفي دون الإثبات، بمعنى أن لا نعتمد على الحسابات الفلكية في إثبات ودخول أو خروج شهر رمضان لعموم الأمة بناء على الحسابات الفلكية، لكننا نعتمد عليها في جانب النفي بمعنى أنه لو ثبت بالحسابات الفلكية القطعية أن هلال رمضان يستحيل أن يتولد أو يرى في وقت معين وادعى شخص أو أكثر أنهم رأوا الهلال في هذا الوقت الذي يستحيل فيه تولده أو رؤيته من الناحية العلمية؛ فإننا نحكم بخطأ الشهود الذين ادعوا الرؤية أو كذبهم، ولا تقبل شهادتهم في هذا المقام لمخالفتها الواقع المقطوع به علميا؛ إذ كيف رأوا هلالا لم يتولد بعد فتستحيل رؤيته!؟

وهذا الاتجاه الثالث هو المعتمد عند متأخري الشافعية فقد نقل القليوبي عن العلامة العبادي قوله: ” إنه إذا دل الحساب القطعي على عدم رؤيته لم يقبل قول العدل لرؤيته، وترد شهادتهم بها انتهى “، وعلق القليوبي مباشرة مؤيدا لهذا القول: ” وهو ظاهر جلي ولا يجوز الصوم حينئذ ومخالفة ذلك معاندة ومكابرة “. وقال ابن حجر الهيتمي في التحفة: ” ووقع تردد لهؤلاء – الأذرعي والسبكي والإسنوي – وغيرهم فيما لو دل الحساب على كذب الشاهد بالرؤية، والذي يتجه منه: أن الحساب إن اتفق أهله على أن مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر ردت الشهادة وإلا فلا، وهذا أولى من إطلاق السبكي إلغاء الشهادة إذا دل الحساب القطعي على استحالة الرؤية وإطلاق غيره قبولها “.

ومن الأدلة التي يمكن أن يستدل بها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين)، وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عن ابن عمر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين، وحدثنيه محمد بن حاتم حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن الأسود بن قيس بهذا الإسناد ولم يذكر للشهر الثاني ثلاثين).

وجه الدلالة من الحديث أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم علل ترتيب عدم اعتمادنا على الحسابات الفلكية بكوننا أمة أميَّة، والترتب يدل على العلية بمسلك الإيماء كما هو مقرر معروف في أصول الفقه في مسالك العلة، فدل على أن علة عدم اعتمادنا على الحسابات الفلكية كوننا أمة أمية، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فإذا انتفت العلة انتفى المعلول، أي إذا لم نعد أمة أمية وأصبحنا أمة متعلمة نحسب حسابات دقيقة كما هو حال أمتنا في هذه الأيام مع تطور العلم الحديث واختراع الآلات الدقيقة المتطورة وخاصة الكمبيوتر وتطور علم الفلك والفضاء… فعندها لا بد أن نعتمد على الحسابات الفلكية.

أما عدم اعتمادنا عليه في جانب الإثبات، أي إثباتنا لدخوله بها فلكي نجمع بين الأدلة الداعية إلى اعتماد الرؤية، فعندها نكون قد جمعنا بين طريقتين في إثبات دخول رمضان: الحسابات الفلكية والرؤية، والجمع أولى من الترجيح، وإعمال جميع الأدلة من الرؤية والحساب أولى من إهمال بعضها، والله تعالى أعلم.

 


مصدر الفتوى من كتاب: 

 
(فتاوى معاصرة)، مؤلف الكتاب: للدكتور أيمن عبد الحميد البدارين،
دار النشر: دار الرازي للنشر والتوزيع، مكان النشر: عمان، الأردن، رقم الطبعة:
الطبعة الأولى، سنة الطبع: 1434هـ-2013م، رقم الصفحة (41-42).

 


اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى