الأخبار والمقالات

أدب الخلاف وخلاف الأدب

كيف ستنتصر الأمة اليوم وفيها من ينتسبون إلى العلم وهم لا يلتزمون أدب الخلاف في حوارهم؟!

يكثرون من استعمال لغة التسفيه والتتفيه والتكذيب…

فتراهم يضللون ويبدعون ويكَذِّبون مخالفهم في مسائل خلافية ظنية فروعية قاعدتها الذهبية “نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه”.

انحرفت بوصلتهم عن العدو الحقيقي إلى اختراع عداوات، واشعال نيران إشكاليات، وحروب تافهات… ولا يدرون أن حقيقة فعلهم صرخة في واد، أو ذر لرماد، أو زوبعة في فنجان… والعجيب أن جهلهم المركب يسوقهم إلى شُبَهٍ ومغالطات وتشويشات يجيب عنها أصغر طالب علم…

أما علموا أن من الأدب الالتزام بأدب الخلاف، ومن سوء الأدب ترك هذا الأدب….

فأنصح نفسي وكل طلبة العلم والعلماء أن لا يشغولوا أنفسهم بالغوغاء، ولا يضيعوا أوقتهم بالجهلاء…

لا أضيع أوقاتي بالرد عليهم مع أن لساني صارمٌ لا عيبَ فيه، وبحري لا تكدره الدِّلاءُ، كي لا تنحرف بوصلتي عن الأهم بلع المهم…

وأقول لهؤلاء الجلهة الأدعياء: لو كُنْتَ تعلم ما أقول عَذَلْتُك، أو كنتُ أجهلُ ما تَقُول عَذًرْتُك، لكن جَهِلْت مقالتي فعذلتني، وعَلِمْتُ حقيقة أمرك فعذرتك…

 

وصدق الشاعر:

وإذا بُليت بجاهلٍ متغافلٍ….. يدعو المحال من الأمور صوابا

أوليته مني السكوت وربما…. كان السكوت عن الجواب جوابا

 

ورحم الله الشافعي اذ قال:

وجدت سكوتي متجرا فلزمته

إذا لم أجد ربحا فلست بخاسر

وما الصمت إلا في الرجال تجارة

وتاجره يعلو على كل تاجر

 

فيا رب ارزقنا حسن الإعراض ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199] وحسن السلام ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]

وللحلم أوقات و للجهل مثلها

ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب

 

وما أجل قول سالم بن ميمون الخوَّاص:

إذا نطق السَّفِيه فلا تجِبْه فخيرٌ مِن إجابتِه السُّكوتُ

سكتُّ عن السَّفِيه فظنَّ أني عييتُ عن الجوابِ وما عييتُ

شرارُ النَّاسِ لو كانوا جميعًا قذى في جوفِ عيني ما قذيتُ

فلستُ مجاوبًا أبدًا سفيهًا خزيتُ لمن يجافيه خزيتُ

 

وما أدلَّ قول القائل:

يخاطبني السفيه بكل قبح

فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة فأزيد حلما

كعود زاده الاحراق طيبا

اذا سبني نذل تزايدت رفعة

وما العيب الا ان اكون مساببه

ولو لم تكن نفسي علي عزيزة

لمكنتها من كل نذل تحاربه

اذا نطق السفيه فلا تجبه

فخير من اجابته السكوت

فان كلمته فرجت عنه

وإن خليته كمدا يموت

 

وفي الختام: قالوا: سكت ولم ترد؟! فأقول لهم: الرد للشر مفتاح، ولصون العرض إصلاح…

فأختم مع هؤلاء الجفاة القساة فأقول لهم: قد أمر الله من هو خير منكم (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) كي الله أن يجادل من هم شر مني (الكفار) باللتي هي أحسن ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125]

هداني وهداكم الله لما في خير الأمة وحسن الأدب.

محبكم د. أيمن عبد الحميد البدارين


اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي من النسخ