الفتاوىفتاوى الأسرةفتاوى الأطعمة والذبائح

حكم قتل الحشرات بآلة الصعق الكهربائي

السؤال:

في ظل الصيف وانتشار الذباب القارص في اليل (الهسهس)، يقوم بعض الناس بوضع الضوء المحرِق لهذا الذباب؛ لأنه يحب الضوء، فهل هذا حرام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (لا يعذب بالنار إلا صاحب النار) أو كما قال؟.

الجواب:

القاعدة العامة أنه يحرم حرق الحيوانات بالنار لما روي في سنن أبي داود (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَهُ على سَرِيَّة، قال: فخرجت فيها، وقال: “إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار” فوليت، فناداني، فرجعت إليه، فقال: “إن وجدتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه، فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار”.

أما موضوع سؤالنا باستعمال هذه الآلة الصاعقة في قتل الحشرات فلا يحرم استعمالها؛ للأدلة التالية:

1- ليس هذا حرقا بالنار، فلا يدخل تحت عموم نهي النبي عن الحرق بالنار؛ لأنه قتل بالصعق لا بالحرق، فمبدأ هذه الآلة يقوم على جعل الحشرة التي تلامس القضيب الحديدي نقطة اتصال وتمرير للتيار الكهربائي عبر ملامسة القضيبين الموصلين، فلو لامست قضيبا واحدا دون الآخر فلا يسري التيار في جسدها، وعندما تلامس القضيبين يصبح جسدها ممرا للتيار الكهربائي، مما يحدث صعقة كهربائية تمر في جسدها تقتلها، فالقتل حدث بالصعق لا بالحرق، وثمة فرق بين الحرق الذي هو اشتعال للنار وبين الصعق الذي هو مرور التيار القاتل في جسدها.

2- أن الحرق تبع للصعق لا مقصود أصالة، فكثيرا لا غالبا ما يحدث عن التماس الكهربائي احتراق للجسم الموصل للكهرباء الذي حدث به وعنده التَّمَاس فيشتعل ويحترق، لكن هذا الاحتراق ليس دائما ولا غالبا، كما أنه تبع للصعق ناتج عنه لا حرق أصالة، لذلك عادة ما تشاهد كثيراً من الحشرات ميتة وغير محترقة.

مثاله أن معظم الأسلحة المستعملة في الحروب اليوم من صواريخ وقذائف، بل حتى الطلقات النارية تحدث حروقا في الأهداف، ومع ذلك فالحرق تبع لها لا مقصود أصالة؛ لأن الموت يحدث غالبا من اختراق هذه الأعيرة النارية أو القذائف أو شظاياها أجزاء الجسد وتعطيلها منافعه مما يؤدي إلى الموت، أو نتيجة الانفجار… فلو كان الحرق تبعا محرما لحرمنا استعمال هذه الأسلحة في حروب اليوم.

ويقول الخبراء في مجال الكهرباء إن احتراق الحشرة بآلة الصعق لا يحدث عادة إلا إن كان ثمة فراغ بين الحشرة والقضيب الكهربائي الثاني الذي لم تلامسه الحشرة فيحدث تفريغ للشحنة الكهربائية محدثة نوع انفجار يحدث حرق الحشرة، فلا تحترق الحشرة في الوضع الطبيعي عندما تلامس كلا القضيبين في جهاز الصعق، بل يقوم التيار الكهربائي بإتلاف الجهاز العصبي للحشرة وشلها أو قتلها دون أن تحترق، ولا يحدث الحرق إلا في حالة وجود فراغ بين الحشرة يحول دون ملامستها القضيب الآخر في آلة الصعق.

ومن المعروف علميا أن سريان التيار الكهربائي في أي جسم موصل للكهرباء يحدث مقاومة في هذا الجسم تزيد من حرارة هذا الجسم، هذه الحرارة قد تؤدي إلى احتراقه، فالاحتراق ناتج عن ارتفاع درجة حرارة الجسم المكهرب لا أن هذا الجهاز يحرق هذه الحشرة، فارتفاع حرارة الجسم لا تؤدي إلى حرقه غالبا في الأجسام الكبيرة التي تتحمل درجات حرارة أعلى، فنجد مثلا أن معظم من يموت من الحيوانات بالصعق الكهربائي لا تحترق أجسامهم، وقد يحدث الاحتراق في بعض أجزاء جسد هذه الحيوانات، مما يدل على أن الحرق أمر قد ينتج عن الصعق لا أن الصعق الكهربائي يحرق هذه الأجسام.

3- أن الحاجة قد تدعو إلى مثل هذه الحلول خاصة مع كونها أكثر أمنا في المنازل بالنسبة لبقية المبيدات الحشرية بالرش أو الحرق أو مواد قاتلة بالكهرباء فيقتل دخانها هذه الحشرات؛ لما لها من أضرار على صحة البشر، والقتل بالصعق أسهل وأرخص وليس له آثار سلبية على الصحة البشرية، والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة فتبيح هذا العمل على التسليم جدلا أنه حرق، وإن لم يكن حرقا فعلا.

4- أن الحشرات هي التي قتلت نفسها بدخولها بين قضبان هذه الآلة، لا أننا حرَّقنا هذه الحشرات بالنار، فهي التي ألقت نفسها بين براثن هذه الآلة لا أننا قمنا بحرقها بها.

5- أن المراد الحرق بالنار حقيقة الحرق لا آثار الحرق بالنار، فالبرد الشديد يحدث آثارا على الجسد كالحرق تماما لذلك عذب الله به في نار جهنم (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) [الإنسان: 13] فالزمهرير شدة البرد، ويجوز قتل الميكروبات بالتجميد مع أنه نوع حرق، كما يجوز قتلها بالغلي مع أن آثاره كآثار الحرق، فدل أن المراد الحرق حقيقة بإشعال النار لا الصعق، مع وجود وسائل أخرى لقتل هذه الميكروبات غير الغلي أو التجميد، لكن إذا ضاق الأمر اتسع.

6- ويستأنس بشرع من قبلنا عن الحسن، بما في صحيح ابن حبان قال صلى الله عليه وسلم: («نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة، فقال تحتها، فلدغته نملة فأمر ببيتهن، فتحرق على من فيها، فأوحى الله إليه: هلا نملة واحدة»)، وجه الدلالة أنه تعالى أباح له حرق نملة واحدة لا جميع النمل؛ لأنه لم يقترف ذنبا (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ) [غافر: 17] (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر: 38] (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام: 164].

وعموما فهذه الحشرات ضارة وناقلة للأمراض الخطيرة فالتخلص منها أمر دعا إليه الشارع الحكيم تحقيقا لمقصد شرعي عام وهو دفع الضرر عن عموم البشر.

مصدر الفتوى من كتاب:

فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة (144-147 )


اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي من النسخ